الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } * { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } * { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } * { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } * { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }

{ إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } أي: انصدعت وتقطعت كما تقدم في قوله:إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } [الانفطار: 1] { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } أي: سمعت له في تصدعها وتشققها. وهو مجاز عن الانقياد والطاعة. والمعنى: أنها انقادت لتأثير قدرته حين أراد انشقاقها، انقياد المطوع الذي يستمع للآمر ويذعن له. قال ابن جرير: العرب تقول: (أذن لك في هذا أذناً) بمعنى: استمع لك. ومنه الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أذن الله لشيء ما أذن لنبيّ يتغنى بالقرآن " يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيّ يتغنى بالقرآن. ومنه قول الشاعر:
صُمٌّ إذَا سَمِعُوا خَيْراً ذكرتُ به   وإن ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عندهم أَذِنُوا
ومعنى قوله تعالى: { وَحُقَّتْ } أي: حق لها ووجب أن تنقاد لأمر القادر ولا تمتنع. وهي حقيقة بالانقياد لأنها مخلوقة له في قبضة تصرفه. قال المعرب: الأصل: حق الله طاعتها. ولما كان الإسناد في الآية إلى السماء نفسها، والتقدير: وحقت هي، كان أصل الكلام على تقدير مضاف في الضمير المستكن في الفعل. أي: وحق سماعها وطاعتها. فحذف المضاف، ثم أسند الفعل إلى ضميره، ثم استتر فيه { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } أي: بسطت وجعلت مستوية. وذلك بنسف جبالها وآكامها كما قال:قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [طه: 106 - 107] ولذا قال ابن عباس: مدت مد الأديم العكاظي؛ لأن الأديم إذا مدّ، زال كل انثناء فيه واستوى { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } أي: ما في جوفها من الكنوز والأموات { وَتَخَلَّتْ } أي: وخلت غاية الخلو, حتى لم يبق شيء في باطنها، كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } أي: انقادت له في التخلية، وحق لها ذلك، وإعادة الآية للتنبيه على أن ذلك تحت سلطان الجلال الإلهي وقهره ومشيئته. وجواب (إذَا) محذوف للتهويل بالإبهام. أي: كان ما كان مما لا يفي به البيان. أو لاقى الإنسان كدحه، كما قال:

{ يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ... }.