الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ }

{ كَلاَّ } ردع عن التطفيف الذي يقترفونه لغفلتهم عن يوم الحساب وضعف اعتقادهم به { إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ } أي: ما كتب فيه من عملهم السيئ وأحصى عليهم. وإيثار المظهر للإشعار بوصف لهم ثانٍ، وهو الفجور بخروجهم عن حد العدالة المتفق عليها الشرع والعقل { لَفِي سِجِّينٍ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } أي: مسطور بيّن الكتابة. أو معلم برقم ينبئ عن قبحه. سمي سجيناً - فِعِّيلا من السجن: وهو الحبس والتضييق - لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم. فهو بمعنى (فاعل) في الأصل. أو لأنه مطروح في أسفل مكان مظلم. فهو بمعنى (مفعول) كأنه مسجون لما ذكر. وقيل: هو اسم مكان، فيقدر مضاف فيه أو فيما بعده. والتقدير: ما كتاب سجين أو محل كتاب مرقوم؟ فحذف المضاف. وقيل: إنه مشترك بين المكان والكتاب. وقال الأصفهاني: السجين: اسم لجهنم بإزاء عِلِّيِّين. وزيد لفظُه تنبيهاً على زيادة معناه. وقيل: هو اسم للأرض السابعة.

ثم قال: وقد قيل إن كل شيء ذكره الله تعالى بقوله: { وَمَا أَدْرَاكَ } فسّره. وكل ما ذكره بقوله: { وَمَا يُدْرِيكَ } تركه مبهماً. وفي هذا الموضع ذكر { وَمَا أَدْرَاكَ } وكذا في قوله: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } ثم فسر الكتاب، لا السجين والعليون. وفي هذه الطبقة موضعها الكتب التي يتبع هذا الكتاب، لا هذا. انتهى.

وقال القاشاني: { لَفِي سِجِّينٍ }: في مرتبة من الوجود مسجون أهلها في حبوس ضيقة مظلمة أذلاء أخساء في أسفل مراتب الطبيعة ودركاتها. وهو ديوان أعمال أهل الشر. ولذلك فسر بقوله: { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } أي: ذلك المحل المكتوب في أعمالهم، كتاب مرقوم برقوم هيئات رذائلهم وشرورهم { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } أي: بيوم الحساب والمجازاة. وفيه إشعار بأن المطففين ممن يتناولهم هذا الوصف؛ لأن إصرارهم على التعدي والاجترام يدل على عدم الظن بالبعث. كما قال تعالى: { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ... }.