الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } * { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } * { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } أي: عظيم دائم، وذلك نعيمهم في الجنان { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } أي: على الأسرة والمتكآت ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة وأفانين النعيم { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } أي: بهجته ورونقه، كما يرى على وجوه المترفهين ماؤه وحسنه { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ } أي: خمر، إلا أنه خص بالخالص الذي لا غش فيه، كما قال حسان:
يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ البَرِيص عليهم   بَرَدَى يُصَفَّق بالرحيق السَّلْسَلِ
ومنه قولهم: مسك رحيق لا غش فيه، وحسب رحيق لا شوب فيه.

وقوله تعالى: { مَّخْتُومٍ } أي: ختم على أوانيه تكريما له لصيانته عن أن تمسه الأيدي على ما جرت به العادة من ختم ما يكرم ويصان { خِتَامُهُ مِسْكٌ }. قال القفال: أي: الذي يختم به رأس قارورة ذلك الرحيق، هو المسك، كالطين الذي يختم به رؤوس القوارير فكأن ذلك المسك رطب ينطبع فيه الخاتم.

وعن بعض السلف واللغويين: المختوم الذي له ختام أي: عاقبة، وقد فسرت بالمسك. أي من شربه كان ختم شربه على ريح المسك. والقصد لذة المقطع بذكاء الرائحة وأرجها، على خلاف خمر الدنيا الخبيثة الطعم والرائحة { وَفِي ذَلِكَ } أي: النعيم المنوه به وما تلاه { فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } أي: فليرغب الراغبون بالاستباق إلى طاعة الله تعالى.

قال ابن جريرِ: التنافس: أن ينفس الرجل على الرجل بالشيء يكون له، ويتمنى أن يكون له دونه. وهو مأخوذ من الشيء النفيس، وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس وتطلبه وتشتهيه. وكأن معناه في ذلك: فليجد الناس فيه وإليه، فليستبقوا في طلبه ولتحرص عليه نفوسهم. وقال الرازيِ: إن مبالغته تعالى في الترغيب فيه تدل على علوّ شأنه. وفيه إشارة إلى أن التنافس يجب أن يكون في مثل ذلك النعيم العظيم الدائم، لا في النعيم الذي هو مكدر سريع الفناء.