الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } * { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } * { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } * { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } * { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } * { وَهُوَ يَخْشَىٰ } * { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ }

{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } أي: يتطهر - بما يتلقن منك - من الجهل أو الإثم. وفي الالتفات إلى الخطاب إنكار للمواجهة بالعتب أولاً، إذ في الغيبة إجلال له صلى الله عليه وسلم، لإيهام أن من صدر منه ذلك غيره؛ لأنه لا يصدر عنه مثله. كما أن في الخطاب إيناساً بعد الإيحاش، وإقبالاً بعد إعراض.

وقال أبو السعود: وكلمة (لعل) مع تحقق التزكي، واردة على سنن الكبرياء أو على اعتبار معنى الترجي بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام. للتنبيه على أن الإعراض عنه، عند كونه مرجو التزكي، مما لا يجوز. فكيف إذا كان مقطوعاً بالتزكي؟ كما في قولك: (لعلك ستندم على ما فعلت) وفيه إشارة إلى أن إعراضه كان لتزكية غيره. وأن من تصدى لتزكيتهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكي والتذكر أصلاً { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي: يعتبر ويتعظ فتنفعه موعظتك. وتقديم التزكية على التذكر، من باب تقديم التخلية على التحلية.

{ أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } أي: بماله وقوته عن سماع القرآن والهداية والموعظة { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } أي: تتعرض بالإقبال عليه، رجاء أن يسلم ويهتدي { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } أي: وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام. إنْ عليك إلا البلاغ. قال الرازيّ: أي لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم، إلى أن تعرض عمن أسلم، للاشتغال بدعوتهم { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ } أي: يسرع في طلب الخير { وَهُوَ يَخْشَىٰ } أي: يخاف الله ويتقيه { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } أي: تعرض وتتشاغل بغيره.

تنبيهات

الأول: قال السيوطي في (الإكليل): في هذه الآيات حث على الترحيب بالفقراء والإقبال عليهم في مجلس العلم وقضاء حوائجهم، وعدم إيثار الأغنياء عليهم. وقال الزمخشري: لقد تأدب الناس بأدب الله في هذا تأدباً حسناً. فقد روي عن سفيان الثوريّ رحمه الله أن الفقراء كانوا في مجلسه أمراء.

الثاني: في هذه الآيات ونحوها، دليل على عدم ضنه صلى الله عليه وسلم بالغيب. قال ابن زيد: كان يقال: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم من الوحي شيئاً، كتم هذا عن نفسه.

الثالث: قال الرازي: القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام، تمسكوا بهذه الآية وقالوا: لما عاتبه الله في ذلك الفعل، دل على أن ذلك الفعل كان معصية. وهذا بعيد. فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين، إلا بحسب هذا الاعتبار الواحد. وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء. وذلك غير لائق بصلابة الرسول عليه السلام، وإذا كان كذلك، كان ذلك جارياً مجرى ترك الاحتياط وترك الأفضل، فلم يكن ذلك ذنباً ألبتة.

وأجاب الإمام ابن حزم في (الفِصَل) بقوله: وأما قوله: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } الآيات فإنه كان عليه السلام قد جلس إليه عظيم من عظماء قريش، ورجا إسلامه.

السابقالتالي
2