الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } * { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } * { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } * { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ }

{ مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } شروع في بيان إفراطه في الكفر، بتفصيل ما أفاض عليه من مبدأ فطرته إلى منتهى عمره، من فنون النعم الموجبة لقضاء حقها بالشكر والطاعة، مع إخلاله بذلك. وفي الاستفهام عن مبدأ خلقه، ثم بيانه بقوله تعالى: { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ } تحقير له. أي: من أي شيء حقير مهين خلقه؟ من نطفة مذرة خلقه { فَقَدَّرَهُ } أي: فهيأه لما يصلح له ويليق به من الأعضاء والأشكال. أو فقدره أطواراً إلى أن تم خلقه { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } أي: سهله. وهو مخرجه من رحم أمه بعد اجتنانه وتعاصيه. أو سبيل الإسلام.

قال ابن زيد: هداه للإسلام الذي يسره له وأعلمه به. أي: بما غرز في فطرته من الخير، وأودع في غريزته من وجدان معرفة الخالق. وقال مجاهد: يعني: سبيل الشقاء والسعادة وهو كقوله:إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } [الإنسان: 3] واختاره أبو مسلم قال: المراد من هذه الآية هو المراد من قوله:وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [البلد: 10] فهو يتناول التمييز بين كل خير وشر يتعلق بالدنيا، وبين كل خير وشر يتعلق بالدين. أي: جعلناه متمكناً من سلوك السبيل الخير والشر. والتيسير يدخل فيه الإقدار والتعريف والعقل وبعثة الأنبياء وإنزال الكتب. نقله الرازي. { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } أي: جعله ذا قبر يوارَى فيه تكرمةً له، ولم يجعله مطروحاً على وجه الأرض للطير والسباع، كالحيوان.

قال الفراء: ولم يقل (فقبره) لأن القابر هو الدافن بيده، والمقبر هو الله تعالى. يقال (قبر الميت) إذا دفنه. و (أقبر الميت) إذا أمر غيره بأن يجعله في القبر.

وقال ابن جرير: القابر هو الدافن الميت بيده كما قال الأعشى:
ولو أسندت ميتاً إلى نحرها   عاش ولم ينقل إلى قابِر