الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ } أي: من جملتكم، أي المهاجرون والأنصار، في استحقاق ما استحقيتموه من الموالاة والمناصرة، وكمال الإيمان والمغفرة والرزق الكريم.

وهل المراد من قوله: { مِن بَعْدُ } هو من بعد الهجرة الأولى، أو من بعد الحديبية وهي الهجرة الثانية، أو من بعد نزول هذه الآية، أو من بعد يوم بدر؟ أقوال - واللفظ الكريم يعمها كلها، والتخصيص بأحدها تخصيص بلا مخصص. { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي: في حكمته وقسمته، أو في اللوح، أو في القرآن؛ لأن (كتاب الله) يطلق على كل منها { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فيقضي بين عباده بما شاء من أحكامه التي هي منتهى الصواب والحكمة والصلاح.

تنبيهات

الأول: إن هذه الآية ناسخة للميراث بالموالاة والمناصرة عند من فسر ما تقدم من قوله: { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } وما بعده، بالتوارث.

أخرج أبو داود من حديث ابن عباس قال: كان الرجل يحالف الرجل، ليس بينهما نسب فيرث أحدهما من الآخر، فنسخ ذلك آية الأنفال فقال: { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ... } الخ، إلا أن في إسناده مَن فيه مقال.

وأما من فسر الموالاة المتقدمة بالنصرة والمعونة والتعظيم، فيجعل هذه الآية إخباراً منه سبحانه وتعالى بأن القرابات بعضهم أولى ببعض، وذلك أن تلك الولاية، لما كانت محتملة للولاية بسبب الميراث، بيّن الله تعالى في هذه الآية أن ولاية الإرث إنما تحصل بسبب القرابة، إلا ما خصه الدليل، فيكون المقصود من الآية إزالة هذا الوهم.

قال الرازيّ: وهذا أولى، لأن تكثير النسخ، من غير ضرورة وحاجة، لا يجوز.

الثاني: استدل بالآية من ورّث ذوي الأرحام، وهم من ليسوا بعصبات، ولا ذوي سهام. قال: ويعضده حديث: " الخال وارث من لا وارث له " وأجاب من منع توريثهم بأن المراد من الآية من ذكر اللهُ من ذوي السهام والعصبات. ومن الحديث: " من كان وارثه الخال فلا وارث له " وردّ بأنها عامة فلا موجب للتخصيص، وبأن معنى الحديث: من كان لا وارث له غيره، لحديث: " أنا عماد من لا عماد له ".

ثم إن الذين أثبتوا ميراثهم اختلفوا في أنهم هل يرثون بالقرب، أو بالتنزيل، وهل يرث القريب مع البعيد، وهل يفضل الذكر على الأنثى أَوْ لا؟ والآية محتملة. أفاده بعض مفسري الزيدية.

قال ابن كثير: ليس المراد بقوله: { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ } خصوصية ما يطلقه علماء الفرائض على القرابة الذين لا فرض لهم ولا عصبة، بل يدلون بوارث كالخالة والخال، والعمة وأولاد البنات وأولاد الأخوات ونحوهم، كما يزعمه بعضهم، ويحتج بالآية، ويعتقد ذلك صريحاً في المسألة. بل الحق أن الآية عامة، تشمل جميع القرابات؛ كما نص عليه ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغير واحد، وعلى هذا فتشمل ذوي الأرحام بالإسم الخاص، ومن لم يورّثهم يحتج بأدلة، من أقواها حديث:

السابقالتالي
2 3 4 5