الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ وَإِن يُرِيدُواْ } أي: الأسرى { خِيَانَتَكَ } أي: نكث ما بايعوك عليه من الإسلام بالردة، أو منع ما ضمنوا من الفداء { فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } أي: من قبل (بدر) بالكفر به { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } أي: فأمكنك منهم، أي: أظفرك بهم قتلاً وأسراً، كما رأيتم يوم بدر، فسيُمكن منهم إن عادوا إلى الخيانة { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي: عليم بما في بواطنهم من إيمان وتصديق، أو خيانة ونقض عهد، حكيم يجازي كلاً بعمله، الخير بالثواب، والشر بالعقاب.

روى ابن هشام في (السيرة) أن فداء المشركين يوم بدر كان أربعة آلاف درهم بالرجل إلى ألف درهم، إلا من لا شيء له، فمنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه.

وقال ابن إسحاق: كان أكثر الأسارى يوم بدر فداءً العباس، وذلك أنه كان رجلاً موسراً، فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهباً.

وفي صحيح البخاريّ عن أنس " أن رجالاً من الأنصار قالوا: يا رسول الله، ائذن لنا، فلنترك لابن أختنا عباس فداءه. قال: " لا والله! لا تذرون منه درهماً ".

وروى إسحاق أن العباس قال: " يا رسول الله، قد كنت مسلماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله أعلم بإسلامك، فإن يكن كما تقول، فإن الله يجزيك، وأما ظاهرك فقد كان علينا، فافتد نفسك وابني أخيك نوفل وعقيل وحليفك عتبة ". قال: ما ذاك عندي يا رسول الله، قال: " فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل، فقلت لها: إن أُصِبْتُ في سفري هذا، فهذا المال الذي دفنته لبنيّ: الفضل وعبد الله وقثم؟ " قال: والله! يا رسول الله، إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، فاحسب لي، يا رسول الله، ما أصبتم من عشرين أوقية من مال كان معي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا، ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك " ".

ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه، فأنزل الله عز وجل فيه:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ... } الآية [الأنفال: 70].

قال العباس: فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام، عشرين عبداً كلهم في يده مال، يضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل.

وروى ابن إسحاق أيضاً أن العباس كان يقول: فيّ نزلت، والله! حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي.

وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس؛ أن عباساً وأصحابه قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: آمنا بما جئت به، ونشهد أنك رسول الله، لننصحنّ لك على قومنا، فأنزل الله تعالى:إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ... }

السابقالتالي
2