الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي: جمع بين قلوبهم وكلمتهم، بالهدى الذي بعثك الله به إليهم، بعد ما كان فيها العصيبة والضغينة { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } أي: من الذهب والفضة { مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } إذ لا يدخل ذلك تحت قدرة البشر، لكونه من عالم الغيب { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } أي: بين قلوبهم بدينه الذي جمعهم إليه { إِنَّهُ عَزِيزٌ } أي: غالب في ملكه وسلطانه على كل ظاهر وباطن { حَكِيمٌ } أي: فاقتضت حكمته ذلك، لما فيه من تأييد دينه، وإعلاء كلمته.

قال الزمخشريّ رحمه الله تعالى: التأليف بين قلوب من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الآيات الباهرة؛ لأن العرب لما فيهم من الحمية والعصبية، والإنطواء على الضغينة في أدنى شيء، وإلقائه بين أعينهم، وإلى أن ينتقموا، لا يكاد يأتلف منهم قلبان. ثم ائتلفت قلوبهم على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتحدوا، وأنشأوا يرمون عن قوس واحدة، وذلك لما نظم الله من ألفتهم، وجمع من كلمتهم، وأحدث بينهم من التحابّ والتوادّ، وأماط عنهم من التباغض والتماقت، وكلفهم من الحب في الله، والبغض في الله، ولا يقدر على ذلك إلا من يملك القلوب، فهو يقلبها كما شاء، ويصنع فيها ما أراد. وقيل: هم الأوس والخزرج، كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم ورؤساءهم، ودق جماجمهم، ولم يكن لبغضائهم أمد ومنتهى. وبينهما التجاور الذي يهيج الضغائن، ويديم التحاسد والتنافس. وعادة كل طائفتين كانتا بهذه المثابة أن تتجنب هذه، ما آثرته أختها، وتكرهه وتنفر عنه، فأنساهم الله تعالى ذلك كله، حتى اتفقوا على الطاعة، وتصافوا وصاروا أنصاراً وعادوا أعواناً، وما ذاك إلا بلطيف صنعه، وبليغ قدرته. انتهى.

وإنما ضعف القول الثاني لأنه ليس في السياق قرينة عليه. كذا في (العناية).

أقول: لكن شهرة ما كان بين هذين البطنين من التعادي الذي تطاول أمده، واستحال قبل البعثة نضوب مائه، يصلح أن يكون قرينة. ونقل علماء السيرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، لما لقي في الموسم الرهط من الخزرج، ودعاهم إلى الله تعالى. فأجابوه وصدقوه، قالوا له: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه، فلا رجل أعزُّ منك. رواه ابن إسحاق وغيره.

وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الأنصار في شأن غنائم (حنين)، قال لهم: " يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ "

السابقالتالي
2