الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ } أي: قلّ أو كثُر من الكفار { فَأَنَّ لِلَّهِ } أي: الذي منه النصر المتفرع عليه الغنيمة { خُمُسَهُ } شكراً له على نصره وإعطائه الغنيمة { وَلِلرَّسُولِ } أي: الذي هو الأصل في أسباب النصر { وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } وهم بنو هاشم والمطلب { وَٱلْيَتَامَىٰ } أي: من مات آباؤهم ولم يبلغوا؛ لأنهم ضعفاء { وَٱلْمَسَاكِينِ } لأنهم أيضاً ضعفاء كاليتامى { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } وهو المسافر الذي قطع عليه الطريق ويريد الرجوع إلى بلده، ولا يجد ما يتبلغ به.

وفي هذه الآية مسائل:

الأولى: قال الفقهاء: (الغنيمة) المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب، أي: ما ظهر عليه المسلمون بالقتال. وهل هي والفيء والنفل شيء واحد أوْ لا؟ وسنفصله في آخر المسائل.

الثانية: ما في { أَنَّمَا } بمعنى الذي، والعائد محذوف، وكان حقها، على أصولهم، أن تكتب مفصولة. قال الشهاب: وقد أجيز في (ما) هذه أن تكون شرطية.

الثالثة: قوله تعالى: { مِّن شَيْءٍ } ، بيان للموصول، محله النصب، على أنه حال من عائد الموصول، قصد به الإعتناء بشأن الغنيمة، وأن لا يشذّ عنها شيء، أي: ما غنمتموه كائناً ما كان يقع عليه اسم الشيء، حتى الخيط والمِخْيَط.

الرابعة: (الخمس) بضم الميم، وسكونها، لغتان قد قرئ بهما.

الخامسة: أفادت الآية أن الواجب في المغنم تخميسه، وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى، وقسمة الباقي بين الغانمين بالعدل، للراجل سهم، وللفارس ذي الفرس العربيّ ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه. هكذا قسم النبيّ صلى الله عليه وسلم عام خيبر. ومن الفقهاء من يقول: للفارس سهمان. والأول هو الذي دلت عليه السنة الصحيحة، ولأن الفرس يحتاج إلى مؤنة نفسه وسائسه، ومنفعة الفارس به أكثر من منفعة رجلين. ومنهم من يقول: يسوي بين الفرس العربيّ والهجين في هذا. الهجين يسمى البرذون والأكديش. ويجب قسمتها بينهم بالعدل، فلا يحابي أحد، لا لرياسته ولا لنسبه ولا لفضله، كما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يقسمونها.

وفي صحيح البخاريّ أن سعد بن أبي وقاص رأى أنّ له فضلاً على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ ".

وفي مسند أحمد أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، الرجل يكون حامية القوم، يكون سهمه وأسهمُ غيره سواء؟ قال: " ثكلتك أمكَ ابنَ أمّ سعد! وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم " كذا في (السياسة الشرعية) لابن تيمية.

(وفي زاد المعاد) لابن القيّم: كان صلى الله عليه وسلم إذا ظفر بعدوّه، أمر منادياً فجمع الغنائم كلها، فبدأ بالأسلاب فأعطاها لأهلها، ثم أخرج خمس الباقي فوضعه حيث أراه الله وأمره به من مصالح الإسلام، ثم يرضخ من الباقي لمن لا سهم له من النساء والصبيان والعبيد، ثم قسم الباقي بالسوية بين الجيش: للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم.

السابقالتالي
2 3 4 5