الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَٱذْكُرُوۤاْ } أي: يا معشر المهاجرين { إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } أي: في العدد، { مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: مقهورون في أرض مكة قبل الهجرة، تستضعفكم قريش { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ } أي: أهل مكة. و(تخطفه) و (اختطفه) بمعنى استلبه وأخذه بسرعة. { فَآوَاكُمْ } أي: إلى المدينة { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } يعني: أعانكم وقوّاكم يوم بدر بنصره، وذلك بمظاهرة الأنصار، وإمداد الملائكة، والتثبيت الربانيّ، { وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي: الغنائم لأنها لم تَطِبْ إلا لهم { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي: المولى على ما تفضل به وأولى.

وما ذكرنا من كون الخطاب في الآية للمهاجرين خاصة، هو أنسب بالمقام والسياق، والسياق يشعر به. وقيل: الخطاب للعرب كافة وعليه قول قتادة بن دعامة السدوسيّ - رحمه الله - في هذه الآية: كان هذا الحيّ من العرب أذل الناس وأشقاه عيشاً، وأجوعه بطوناً، وأعراه جلوداً، وأثبته ضلالاً. والله! ما نعلم قبيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلاً منهم، حتى جاء الله بالإسلام، فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس. وبالإسلام أُعطى الله ما رأيتم، فاشكروا الله على نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله. انتهى.

وأقول: الأمر في العرب، وإن كان كما ذكر، لكن في تنزيل بعض ألفاظ الآية عليه، تكلف لا يخفى، فالظاهر ما ذكرنا.