الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } الإستجابة: بمعنى الإجابة. قال:
وداعٍ دعا يا مَنْ يُجِيبُ إلى النِّدَا   فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
(يريد: فلم يجبه. وقائله كعب بن سعد الغَنَوِيّ، والقصيدة في الأصمعيات رقم 14).

والمراد بها الطاعة والإمتثال، وإنما وحّد الضمير في قوله: { دَعَاكُم } - أي: الرسول - لأنه هو المباشر للدعوة إلى الله تعالى.

وقال الزمخشري: لأن استجابته صلى الله عليه وسلم، كاستجابته تعالى، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد.

وقوله: { لِمَا يُحْيِيكُمْ } ، قال عروة بن الزبير - فيما رواه ابن إسحاق - أي: للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل، وقوّاكم بها بعد الضعف، ومنعكم من عدوّكم بعد القهر منهم لكم. وإنما سمي الجهاد حياة؛ لأن في وهن عدوّهم بسببه حياة لهم وقوة، أو لأنه سبب الشهادة الموجبة للحياة الدائمة، أو سبب المثوبة الأخروية التي هي معدن الحياة، كما قال تعالى:وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ } [العنكبوت: 64] أي: الحياة الدائمة، فيكون مجازاً مرسلاً، بإطلاق السبب على المسبب، أو استعارة. وقيل: { لِمَا يُحْيِيكُمْ } أي: من العلوم الدينية التي هي مناط حياة القلب، كما أن الجهل موته.

قال الشهاب: وإطلاق الحياة على العلم، والموت على الجهل، استعارة معروفة، ذكرها الأدباء، وأهل المعاني. وأنشد الزمخشريّ لبعضهم:
لا تعجبنّ الجهولَ حُلَّتهُ   فَذاك مَيْتٌ، وثَوبهُ كَفَنُ
وقد ألمّ فيه بقول أبي الطيب، من قصيدته التي أولها:
أفاضلُ الناسِ أغراضٌ لذا الزمنِ   يخلوا من الهمِّ أخلاهُمْ من الفِطَنِ
ومنها:
لا تُعْجِبَنَّ مضِيما حسنُ بَزَّتِه   وهل تروقُ دَفِيناً جَوْدَةُ الكَفَنِ
والأظهر أن يُعْنَى بـ { مَا يُحْيِيكُمْ } ، ما يصلحكم من أعمال البر والطاعة. فيدخل فيه ما تقدم وغيره.

تنبيه

استدل النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الآية على وجوب إجابته إذا نادى أحداً وهو في الصلاة. روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلّى رضي الله عنه قال: كنت أصلي، فمرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: " ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل الله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ... } الآية ".

وقوله تعالى: { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } يحتمل وجوهاً من المعاني:

أحدها: أنه تعالى يملك على المرء قلبه، فيصرفه كيف شاء، فيحول بينه وبين الكفر، إن أراد هدايته، وبينه وبين الإيمان، إن أراد ضلالته، وهذا المعنى رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس، وصححه، وقاله غير واحد من السلف. ويؤيده ما روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول: " " يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك ". فقيل: يا رسول الله! آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: " نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى، يقلبها "

السابقالتالي
2