الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } * { لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ } * { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } * { كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } * { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ } * { فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }

{ ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } أي: فِرَق. وذلك دخان جهنم المرتفع من وقودها إذا تصاعد تفرّق شعباً ثلاثاً، لعظمه.

قال الشهاب: فيه استعارة تهكمية لتشبيه ما يعلو من الدخان بالظل. وفيه إبداع؛ لأن الظل لا يعلو ذا الظل. وقوله تعالى: { لاَّ ظَلِيلٍ } تهكم بهم؛ لأن الظل لا يكون إلا ظليلاً أي مظللاً. فنفيه عنه للدلالة على أن جعله ظلاًّ تهكم بهم، ولأنه ربما يتوهم أن فيه راحة لهم، فنفي هذا الاحتمال بقوله: { لاَّ ظَلِيلٍ } { وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ } أي: لا يرد عنهم من لهب النار شيئاً. والمعنى: أنه لا يظلهم من حرها ولا يكنهم من لهبها { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } أي: تقذف كل شررة كالقصر في عظمها. والقصر: واحد القصور.

قال ابن جرير: العرب تشبّه الإبل بالقصور المبنية، كما قال الأخطل في صفة ناقة:
كأنها بُرْجُ رُومِيّ يُشَيِّدُهُ   لُزَّ بِجِصٍّ وآجُرّ وأَحْجَارِ
ثم قال: وقيل: { بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } ولم يقل: كالقصور. والشرر جمع. كما قيل:سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45] ولم يقل الأدبار لأن الدبر بمعنى الأدبار. وفعل ذلك توفيقاً بين رؤوس الآي ومقاطع الكلام؛ لأن العرب تفعل ذلك كذلك. وبلسانها نزل القرآن.

{ كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ } وقرئ: " جمالاتٌ " جمع (جمال) جمع (جمل). أو جمع (جمالة) جمع (جملٌ) أيضاً. ونظيره: رجال ورجالات، وبيوت وبيوتات، وحجارة وحجارات. { صُفْرٌ } أي: في لونها. فإن الشرار بما فيه من النارية يكون أصفر. وقيل: صفر أي سود.

قال قتادة وغيره: أي: كالنوق السود، واختاره ابن جرير زاعماً أنه المعروف من كلام العرب.

{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } أي: بحجة. أو في وقت من أوقاته؛ لأنه يوم طويل ذو مواقف ومواقيت. أو جعل نطقهم كلا نطق؛ لأنه لا ينفع ولا يسمع، فلا ينافي آية:وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23] وآيةوَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [النساء: 42] وآية:ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [الزمر: 31] { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } أي: لا يمهد لهم الإذن في الاعتذار، لعدم قبول معذرتهم بقيام الحجة عليهم. وإنما لم يقل: (فيعتذروا) محافظة على رؤوس الآي. وقيل: هو معطوف على { يُؤْذَنُ } منخرط معه في سلك النفي. والمعنى: لا يكون لهم إذن واعتذار متعقب له، من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن.

{ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } أي: الحق بين العباد { جَمَعْنَٰكُمْ } أي: حشرناكم فيه { وَٱلأَوَّلِينَ } أي: من الأمم الهالكة { فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ } أي: احتيال للتخلص من العذاب { فَكِيدُونِ } أي: فاحتالوا له.

قال الزمخشري: تقريع لهم على كيدهم لدين الله وذويه، وتسجيل عليهم بالعجز والاستكانة { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أي: فإنه لا حيلة لهم في دفع العقاب.