{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } أي: بلغت النفس أعالي الصدر. وإضمارها، وإن لم يجر لها ذكر، لدلالة السياق عليها، كقول حاتم:
أماويّ ما يغني الثَّراء عن الفَتَى
إذا حَشْرَجَتْ يوما وضاق بها الصدر
قال الرازي: يكنى ببلوغ النفس التراقي، عن القرب من الموت، ومنه قول دريد بن الصمة:
ورب عظيمة دافعت عنها
وقد بلغت نفوسهم التراقي
ونظيره قوله تعالى:{ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } [الواقعة: 83] { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } قال ابن جرير: أي: وقال أهله: من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نزل به، وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئاً. أي: فالاستفهام بمعنى الطلب لراق أو طبيب وجوز كونه بمعنى الإنكار، يأساً من أن يقدر أحد على نفعه برقية أو عوذة. لطيفة قال الواحدي: إن إظهار النون عند حروف الفم لحن. فلا يجوز إظهار نون { مَنْ } في قوله { مَنْ رَاقٍ }. وروى حفص بن عاصم إظهار النون في { مَنْ رَاقٍ } و{ بَلْ رَانَ } [المطففين: 14] قال أبو علي الفارسي: ولا أعرف وجه ذلك. قال الواحدي: والوجه أن يقال: قصد الوقف على { مَنْ } و { بَلْ } فأظهرهما. ثم ابتدأ بما بعدهما. وهذا غير مرضيّ من القراءة. انتهى. نقله الرازي. { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } أي: وأيقن الذي قد نزل ذلك به، أنه فراق الدنيا والأهل والمال. { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } أي: الْتَوَت ساقه بساقه، فلا يقدر على تحريكها. وقيل: هما ساقاه إذا التفتا في الكفن. وقيل: الساق عبارة عن الشدة، كما مر في سورة (القلم). والتعريف للعهد أيضاً. قال الشهاب: فإن قلت: ما مر هو الكشف عن الساق، ووجه ظاهر؛ لأن المصاب يكشف عن ساقه، فكيف ينزل هذا عليه؟ قلت: الأمر كما ذكرت، لكنه شاع فيه، ففهم ذلك من السياق وحده، حتى صار عبارة عن كل أمر فظيع - كما أشار إليه الراغب - انتهى. { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } أي: سوقه إلى حكمه تعالى.