الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } * { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } * { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } * { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }

{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } أي: لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي، لتأخذه على عجلة مخافة أن يتفلت منك. { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } أي: في صدرك، وإثبات حفظه في قلبك، بحيث لا يذهب عليك منه شيء. { وَقُرْآنَهُ } أي: أن تقرأه بعد فلا تنسى { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } أي: أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل عليه السلام, { فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } أي: كن مقفياً له ولا تراسله. { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي: بيان ما فيه، إذا أشكل عليك شيء من معانيه، أو أن نبيِّنه على لسانك.

تنبيهات

الأول: ما ذكرناه في تأويل الآية هو المأثور في الصحيحين وغيرهما. ولفظ البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه إذا أنزل عليه " فقيل له: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } يخشى أن يتفلت منه { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } أن نجمعه في صدرك { وَقُرْآنَهُ } أن تقرأه { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } يقول أنزل عليه { فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أن نبينه على لسانك. زاد في رواية: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل، قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه.

قال ابن زيد: أي: لا تكلم بالذي أوحينا إليك، حتى يقضى إليك وحيه، فإذا قضينا إليك وحيه، فتكلم به. يعني: أن هذه الآية نظير قوله تعالى:وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [طه: 114].

قال ابن كثير: وهكذا قال الشعبي والحسن البصري وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد؛ أن هذه الآية نزلت في ذلك، وأنها تعليم من الله عز وجل لرسوله، كيفية تلقيه الوحي.

الثاني: ذكروا في مناسبة وقوع الآية معترضة في أحوال القيامة - على تأويلهم المتقدم - وجوها:

منها: تأكيد التوبيخ على ما جبل عليه الإنسان - والمرء مفتون بحب العاجل - حتى جعل مخلوقاً من عجل. ومن محبة العاجل، وإيثاره على الآجل، تقديم الدنيا الحاضرة على الآخرة، الذي هو منشأ الكفر والعناد، المؤدي إلى إنكار الحشر والمعاد فالنهي عن العجلة في هذا يقتضي النهي فيما عداه، على آكد وجه. وهذه مناسبة تامة بين ما اعترض فيه وبينه.

قاله الشهاب:

ومنها: أن عادة القرآن، إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد، حيث يعرض يوم القيامة، أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملاً وتركاً، كما قال في الكهف:وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } [الكهف: 49] إلى أن قال:وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } [الكهف: 54] الآية. وقال في طه:

السابقالتالي
2 3