الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } * { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } * { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } * { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } * { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } * { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } أي: المتلفف بثيابه لنوم أو استدفاء، من الدثار، وهو كل ما كان من الثياب فوق الشعار. والشعار: الثوب الذي يلي الجسد. وأصله: (المتدثر) فأدغم. خوطب بذلك لحالته التي كان عليها وقت نزول الوحي. أو لقوله: " دثروني " كما تقدم -. وقيل معناه: المدثر بدثار النبوة والرسالة، من قولهم: ألبسه الله لباس التقوى، وزينه برداء العلم. ويقال: تلبس فلان بأمر كذا. فجعل النبوة كالدثار واللباس مجازاً.

قال الشهاب: إما أن يراد المتحلي بها والمتزين، كما أن اللباس الذي فوق الشعار يكون حلية لصاحبه وزينة. وكذا يسمى (خلة). والتشبيه بالدثار في ظهورها، أو في الإحاطة والأول أتم.

{ قُمْ } أي: من مضجعك ودثارك. أو قيام عزم وجد { فَأَنذِرْ } أي: فحذر قومك من العذاب إن لم يؤمنوا.

قال الشهاب: لم يقل: { وَبَشِّرِ } لأنه كان في ابتداء النبوة، والإنذار هو الغالب، لأن البشارة لمن آمن، ولم يكن إذ ذاك. أو هو اكتفاء لأن الإنذار يلزمه التبشير.

{ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } قال ابن جرير: أي فعظم بعبادته، والرغبة إليه في حاجاتك، دون غيره من الآلهة والأنداد.

وقال القاشانيّ: أي: إن كنت تكبر شيئاً وتعظم قدره، فخصص ربك بالتعظيم والتكبير، لا يعظم في عينك غيره، ويصغر في قلبك كل ما سواه، بمشاهدة كبريائه.

{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي: بالماء من الأنجاس. قال ابن زيد، كان المشركون لا يتطهرون، فأمره أن يتطهر ويطهر ثيابه. وقيل: هو أمر بتطهير القلب مما يستقذر من الآثام.

قال قتادة: العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دنس الثياب. وإذا وفى وأصلح، قالوا: مطهر الثياب.

وعن ابن عباس: أي لا تلبسهما على معصية، ولا على غدرة. ثم أنشد لغيلان بن سلمة الثقفي:
وإني، بحمد الله، لا ثوب فاجر   لبست، ولا من غَدْرةٍ أَتَقَنَّعُ
وفي الوجه الأول بقاء لفظي الثياب والتطهير على حقيقتهما، وفي الثاني تجوز بهما. وبقي وجه ثالث، وهو حمل الثياب على حقيقتها، والتطهير على مجازه، وهو التبصير. لأن العرب كانوا يطيلون ثيابهم، ويجرون أذيالهم خيلاء وكبراً، فأمر بمخالفتهم. ورابع وهو عكس هذا، وذلك، بحمل الثياب على الجسد أو النفس كناية، كما قال عنترة:
* فشككت بالرمح الأصمِّ ثيابَهُ *   
أي: نفسه. ولذا قال:
* ليس الكريم على القنا بِمُحَرَّم *   
واستصوب ابن الأثير في (المثل السائر) الوجه الأول: قال في الفصل الثالث من فصول مقدمته: اعلم أن الأصل في المعنى أن يحمل على ظاهر لفظه، ومن يذهب إلى التأويل يفتقر إلى دليل كقوله تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } فالظاهر من لفظ الثياب هو ما يلبس. ومن تأول، ذهب إلى أن المراد هو القلب، لا الملبوس. وهذا لا بد له من دليل، لأنه عدول عن ظاهر اللفظ.

السابقالتالي
2