الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } * { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } * { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } * { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } * { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } * { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً }

{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ } أي: المسلمون العاملون بطاعة الله { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي: قوم دون ذلك، وهم المقتصدون في الصلاح غير الكاملين فيه أو الكافرون { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } أي: أهواء مختلفة، وفرقاً شتى. وهذا بيان للقسمة قبلُ. أي: كنا مثلها أو ذويها. و (الطرائق): جمع طريقة، وهي طريقة الرجل ومذهبه. و (القدد) الضروب والأجناس المختلفة، جمع (قدة) كالقطعة.

{ وَأَنَّا ظَنَنَّآ } أي: علمنا { أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: إن أراد بنا سوءاً { وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } أي: إن طلبنا.

قال الزمخشري: هذه صفة أحوال الجن، وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم، منهم أخيار وأشرار ومقتصدون، وأنهم يعتقدون أن الله عز وجل عزيز غالب لا يفوته مطلب، ولا ينجي عنه مهرب.

{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } أي: القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم { آمَنَّا بِهِ } أي: صدقنا بأنه حق من عند الله { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً } أي: أن ينقص من حسناته فلا يجازي عليها { وَلاَ رَهَقاً } أي: أن ترهقه ذلّة، وتلحقه هيأة معذبة موجبة للخسوء والطرد. يعني: أنه يجزى الجزاء الأوفى، وتكون له في العز العاقبة الحسنى.

{ وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ } أي: الكافرون الجائرون عن طريق الحق، { فَمَنْ أَسْلَمَ } أي: أذعن وانقاد { فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } أي: ترجّوا وتوخوا رشداً عظيما، وقصدوا صواباً واستقامة.

وقوله: { فَمَنْ أَسْلَمَ... } إلخ من كلام الله أو الجن. قال الزمخشري: وقد زعم من لا يرى للجن ثواباً، أن الله تعالى أوعد قاسطيهم، وما وعد مسلميهم، وكفى به وعداً أن قال: { فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } فذكر سبب الثواب وموجبه. والله أعدل من أن يعاقب القاسط، ولا يثيب الراشد. { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي: توقد بهم، كما توقد بكفار الإنس. { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ } أي: الجن أو الإنس أو كلاهما { عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } أي: طريقة الحق والعدل { لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } أي: لوسعنا عليهم الرزق. وإنما تجوز بالماء الغدق، وهو الكثير عما ذكر؛ لأنه أصل المعاش وسعة الرزق، ولعزة وجوده بين العرب. أو لأن غيره يعلم منه بالأولى. { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي: لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه. { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ } أي: عبادته أو موعظته { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } أي: شديداً شاقاً.

قال الزمخشري: الصعد: مصدر صعد. يقال: صعد صعداً وصعوداً. فوصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب، أي: يعلوه ويغلبه فلا يطيقه.