الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ }

{ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي: اختلفنا عليه باطلاً بأن له شريكاً { إِنْ عُدْنَا } إلى ترك دعوى الرسالة والإقرار بها، لندخل { فِي مِلَّتِكُمْ } القائلة بأن له شريكاً { بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا } فأرانا الله أنه كالإنجاء من النار { وَمَا يَكُونُ } أي: ينبغي: { لَنَآ أَن نَّعُودَ } أي: عن دعوى الرسالة والإقرار بها فنصير { فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا } أي: الذي يربينا بما علم من استعدادنا، لأنه { وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } أي: فعلم استعداد كل واحد في كل وقت لكن { عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا } أي: ليحفظنا عن المصير إليها { رَبَّنَا } إن قصدوا إكراهنا عليها، أو إخراجنا من قريتهم { ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } فغلبنا عليهم { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } أي: خير الحاكمين، فلا تغلّب الظالمين وإن كثروا على المظلومين إذا استفتحوك.

تنبيهات

الأول: اعلم أن ظاهر قوله تعالى:أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } [الأعراف: 88] وقوله: { بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا } يدل على أن شعيباً عليه السلام كان على ملتهم قبل بعثته، ومعلوم عصمة الأنبياء عن الكبائر، فضلاً عن الشرك.

وفي (المواقف وشرحها): أن الأمة أجمعت على عصمة الأنبياء من الكفر قبل النبوة وبعدها، غير أن الأزارقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب، وكل ذنب عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر، وجوز الشيعة إظهار الكفر تقية عند خوف الهلاك، واحترازاً عن إلقاء النفس في التهلكة. ومثله في (شرح التجريد).

ولما تقرر إجماع الأمة على ما ذكر، كان للعلماء في هذه الآية وجوه:

منها: أن العود المقابل للخروج، هو العود إلى ترك دعوى الرسالة والإقرار بها. والجار والمجرور حال، أي: ليكن منكم الخروج من قريتنا، أو العود إلى ترك دعوى الرسالة والإقرار بها، داخلين في ملتنا، وهذا الوجه اقتصر عليه المهايمي، وسايرناه فيه مع تفسير تتمة الآية.

ومنها: أن العود المذكور إلى ما خرج منه، وهو القرية. والمجرور حال كالسابق. أي: ليكن منكم الخروج من قريتنا أو العود إليها، كائنين في ملتنا. وعُدِّيَ (عاد) بـ (في) كأن الملة لهم بمنزلة الوعاء المحيط بهم.

ومنها: أن هذا القول جارٍ على ظنهم أنه كان في ملتهم، لسكوته قبل البعثة عن الإنكار عليهم.

ومنها: أنه صدر عن رؤسائهم تلبيساً على الناس، وإيهاماً لأنه كان على دينهم، وما صدر عن شعيب عليه السلام كان على طريق المشاكلة.

ومنها: أن:لَتَعُودُنَّ } [الأعراف: 88] بمعنى لتصيرن، إذ كثيراً ما يرد (عاد) بمعنى (صار)، فيعمل عمل (كان)، ولا يستدعي الرجوع إلى حالة سابقة، بل عكس ذلك، وهو الانتقال من حال سابقة، إلى حال مؤتنفة مثل (صار). وكأنهم قالوا - والله أعلم - لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا، أو لتصيرن كفاراً مثلنا.

السابقالتالي
2 3 4