الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً } أي: وأرسلنا عليهم نوعاً من المطر عجيباً غير متعارف، وهو مبين بقوله تعالى:وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } [الحجر: 74]، أي: طين متحجر.

قال المهايميّ: ولكفرهم بمطر الشرائع المحيي بإبقاء النسل وغيره، انقلب عليهم في صورة العقاب.

وقرأت في التوراة المعرَّبة، أن الملكين اللذين جاءا لوطاً عليه السلام، يخبرانه ويبشرانه بهلاك قومه، قالا له: أخرج من هذا الموضع، من لك هاهنا من أصهارك وبنيك وبناتك وجميع من لك، فإنا بعَثَنَا الرَّب لنهلك هذه المدينة. ولما كان عند طلوع الفجر ألحّ الملكان على لوط بأخذ امرأته وابنتيه، ثم أمسكا بأيديهم جميعاً وصيّراهم خارج المدينة وقالا: لا يلتفت أحد منك إلى ورائه، وتخلصا إلى الجبل. ولما أشرقت أمطر الرب من السماء على سدوم وعمُورة كبريتاً وناراً، وقَلَبَ تلك المدن، وكل البقعة، وجميع سكان المدن ونَبْتَ الأرض، والتفتت امرأته إلى ورائها فصارت نُصُبَ مِلْح، وقدم إبراهيم غدوة من أرضه، فتطلع إلى جهة سدوم وعمُورة، فإذا دخان الأرض صاعد كدخان الأتُون - انتهى.

وقرأت في نبوة حَزْقيال عليه السلام، في الفصل السادس عشر: في بيان إثم سدوم ما نصه: إن الإستكبار والشبع من الخبز، وطمأنينه الفراغ، كانت في سدوم وتوابعها، ولم تعضد يد البائس والمسكين، وتشامخن وصنعن الرجس أمامي، فنزعتهن كما رأيت - انتهى.

وقد صار موضع تلك المدن بحر ماء أجاج، لم يزل إلى يومنا هذا، ويعرف بالبحر الميت، أو بحيرة لوط، والأرض التي تليها قاحلة لا تنبت شيئاً.

قال في (مرشد الطالبين): بحر لوط، هو بحر سدوم، ويدعى أيضاً البحر الميت، وهو بركة مالحة في فلسطين، طولها خمسون ميلاً، وعرضها عشرة أميال، وهي أوطأ من بحر الروم بنحو 1250 قدماً، وموقعها في الموضع الذي كانت عليه سدوم وعمُورة وأدمة وصبوييم - انتهى.

وقوله: { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي: هؤلاء أجرموا بالكفر وعمل الفواحش، كيف أهلكناهم. والنظر تعجيباً من حالهم، وتحذيراً من أعمالهم، فإن من تستولي عليه رذيلة الدعارة، تكبحه عن التوفيق نفساً وجسداً، وتورده موارد الهلكة والبوار، جزاء ما جنى لهم اتّباع الأهواء.

تنبيه في حد اللوطيّ

اعلم أنه وردت السنة بقتل من لاط بذكر، ولو كان بكراً، كذلك المفعول به إذا كان مختاراً، لحديث ابن عباس، عند أحمد وأبي داود وابن ماجة والترمذي والحاكم والبيهقي، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من وجدتموه يعمل عمل قو لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به " قال ابن حجر: رجاله موثقون، إلا أن فيه اختلافاً.

وأخرج ابن ماجة والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: " اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا "

السابقالتالي
2 3