الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ }

{ فَتَوَلَّىٰ } أي: فأعرض صالح { عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي } المتضمنة لتخويف العذاب عنه { وَنَصَحْتُ لَكُمْ } فأمرتكم بكل خير، ونهيتكم عن كل شر { وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ } أي: من الرسل والأنبياء والعلماء لمخالفتهم أهويتكم. والظاهر أن صالحاً عليه السلام كان مشاهداً لما جرى عليهم، وأنه تولى عنهم، بعد ما أبصرهم جاثمين، تولي مُغتمٍّ متحسرٍّ على ما فاته من إيمانهم، يتحزن لهم بقوله: { يَٰقَوْمِ... } الخ، كذا في (الكشاف)، أو خاطبهم خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر حيث قال: " إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً " - كما رواه البخاري - لا تحزناً، ولكن إعلاماً بنصر الله له، وتحقيق رسالته، زيادة في حزنهم وتوبيخهم، فإن الأحياء ليسوا بأسمع منهم، ولكن لا يتكلمون. كما في (الصحيح).

ويجوز عطف قوله: { فَتَوَلَّىٰ } على قوله:فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } [الأعراف: 78]، فيكون الخطاب لهم حين أشرفوا على الهلاك، لا بعده. فيكون عليه السلام تولى عنهم تولي ذاهب عنهم، منكر لإصرارهم حين رأى علامات نزول العذاب. والمتبادر الأولُ لظهور الفاء في التعقيب - والله أعلم -.

تنبيهات

الأول: نأثر هنا ما رواه علماء التاريخ والنسب في بسط قصة ثمود، لمكان العظة والإعتبار مفصلاً، وإلا فجليّ أن ما أجمله التنزيل الكريم لا غاية وراءه في ذلك، وما سكت عن بيانه من تلك القصص، فلا حاجة إلى السعي وراءه لفقد القطع به، اللهم إلا لزيادة الإتعاظ، وتقوية العبرة، ولذا صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ".

وخلاصة ما رووه عن ثمود: أن عاداً لما هلكت، عمرت ثمود بلادها، وخلفوهم في الأرض، وكانوا في سعة ورخاء من العيش، فعتوا على الله، وأفسدوا في الأرض، وعبدوا الأوثان، فبعث الله تعالى إليهم صالحاً عليه السلام، وكانوا قوماً عرباً، وصالح من أوسطهم نسباً، فدعاهم إلى عبادته تعالى وحده، فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون، فحذرهم وأنذرهم، فسألوه آية، واقترحوا عليه بأن يخرج لهم ناقة عُشَرَاءَ، تمخض من صخرة صماء، عينوها بأنفسهم، وكانت صخرة منفردة في ناحية الجبل، يقال لها (الكائبة)، فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق: لئن أجابهم الله إلى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه. فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم، قام صالح عليه السلام إلى صلاته، ودعا الله عز وجل، فتحركت تلك الصخرة، ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبْرَاء، يتحرك جنينها بين جنبيها، كما سألوا. فعند ذلك آمن رئيسهم جندع بن عَمْرو ومن كان معه على أمره، وأراد بقية أشراف ثمود أن يؤمنوا، فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لَبِيد والخباب، صاحب أوثانهم، ورباب بن صعمر بن جلمس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6