الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ }

{ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } أي: من آمن به، على خرق العادة { بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } ليدل على رحمتنا عليهم في الآخرة { وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي: استأصلناهم. قال الشهاب: قطع الدابر، كناية عن الإستئصال إلى إهلاك الجميع؛ لأن المعتاد في الآفة إذا أصابت الآخر أن تمرّ على غيره، والشيء إذا امتد أصله أخذ برمته. والدابر بمعنى: الآخر { وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } عطف على { كَذَّبُواْ } داخل معه في حكم الصلة.

قال الزمخشريّ: فإن قلت: ما فائدة نفي الإيمان عنهم في قوله: { وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } مع إثبات التكذيب بآيات الله؟ قلت: هو تعريض بمن آمن منهم، كمرثد بن سعد، ومن نجا مع هود عليه السلام، كأنه قال: وقطعنا دابر الذين كذبوا منهم، ولم يكونوا مثل من آمن منهم، ليؤذن أن الهلاك خص المكذبين، ونجى الله المؤمنين. انتهى.

قال الطيبيّ: يعني إذا سمع المؤمن أن الهلاك اختص بالمكذبين، علم أن سبب النجاة هو الإيمان لا غير، تزيد رغبته فيه، ويعظم قدره عنده - انتهى.

قال ابن كثير: قد ذكر الله سبحانه صفة إهلاكهم في أماكن أخر من القرآن، بأنه أرسل عليهم الريح العقيم:مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [الذاريات: 42]، كما قال في الآية الأخرى:وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } [الحاقة: 6-8] لما تمردوا وعتوا، أهلكم الله بريح عاتية، فكانت تحمل الرجل منهم، فترفعه في الهواء، ثم تنكسه على أم رأسه فتثلغ رأسه حتى تُبِينَهُ من جثته.

وقال محمد بن إسحاق: كانت منازل عاد وجماعتهم، حين بعث الله فيهم هوداً، الأحقاف قال: و (الأحقاف) الرملُ، فيما بين عُمَان إلى حضرموت، فاليمن كله.

وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلها، وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله: صنم يقال له (صُدَاء) وصنم يقال له، (صَمُود) وصنم يقال له (الهباء): فبعث الله إليهم هوداً، وهو من أوسطهم نسباً وأفضلهم موضعاً، فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا معه إلهاً غيره، وأن يكفّوا عن ظلم الناس. لم يأمرهم فيما يذكر، والله أعلم، بغير ذلك، فأبوا عليه وكذبوه، وقالوا:مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [فصلت: 15] واتبعه منهم ناس، وهم يسير مكتتمون بإيمانهم، وكان من آمن به وصدقه رجل من عاد يقال له: (مرثد بن سعد بن عُفَيْر) وكان يكتم إيمانه. فلما عتوا على الله تبارك وتعالى وكذبوا نبيهم، وأكثروا في الأرض الفساد، وتجبروا وبنوا بكل ريع آية عبثاً بغير نفع، كلمهم هود فقال:أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ }

السابقالتالي
2 3 4 5