الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } أي: نخرج من قلوبهم أسباب الحقد والحسد والعداوة، أو نطهرها منها، حتى لا يكون بينهم إلا التواد والتعاطف. وصيغة الماضي للإيذان بتحققه وتقرره { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا } أي: لِمَا جزاؤه هذا، أي: لأسباب هذا العلوّ، بإرسال الرسل والتوفيق للعمل { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } أي: ما كنا لنرشد لذلك العمل الذي هذا ثوابه، لولا أن وفقنا الله له بدلائله وألطافه وعنايته { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } أي: فاهتدينا بإرشادهم قال الزمخشريّ: يقولون ذلك، أي: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ }... إلخ سروراً واغتباطاً بما نالوا، وتلذذاً بالتكلم به، لا تقرباً ولا تعبداً، كما ترى من رزق خيراً في الدنيا يتكلم بنحو ذلك، ولا يتمالك ألا يقوله، للفرح والتوبة { وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: أعطيتموها بسبب أعمالكم في الدنيا، فالميراث مجاز عن الإعطاء، تجوّز به عنه إشارة إلى أن السبب فيه ليس موجباً، وإن كان سبباً بحسب الظاهر، كما أن الإرث ملك بدون كسب، وإن كان النسب مثلاً سبباً له. وعلى ما تقرر، فلا يقال إنه معارض لما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: " " واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله الجنة! " قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " " ولا يحتاج إلى الجواب عنه، ولا أن يقال الباء للعوض لا للسبب. وهذا تنجيز للوعد بإثابة المطيع، لا بالاستحقاق والاستيجاب، بل هو بمحض فضله تعالى، كالإرث - كذا في العناية.

روى الإمام مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنةَ نادى مناد إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً " ، فذلك قوله عز وجل: { وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ... } الآية.