الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ قُلْ } إنهما من المنافع الخاصة في أنفسهما. والإفضاء احتمال غير محقق. فإذا أفضى، فالحرام هو المفضى إليه بالذات لأنه { إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ } أي: ما تفاحش قبحه من الذنوب، أي: تزايد (وهي الكبائر) وهي ما يتعلق بالفروج { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } أي: ما جاهر به بعضهم بعضاً، وما ستره بعضهم عن بعض، وما ظهر من أفعال الجوارح، وما بطن من أفعال القلوب { وَٱلإِثْمَ } أي: ما يوجب الإثم، وهو عامّ لكل ذنب، وذكره للتعميم بعد التخصيص، ويقال: إن الإثم هو الخمر، قال الشاعر:
نهانا رسول الله نقرُبَ الزنى   وأن نشرب الإثم الذي يُوجب الوِزْرا
وأنشد الأخفش:
شربتُ الإثم حتى ضلَّ عقلي   كذاك الإثم تذهبُ بالعقولِ
وهو منقول عن ابن عباس والحسن. وذكره أهل اللغة كالأصمعيّ وغيره. قال الحسن: ويصدقه قوله تعالى:قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } [البقرة: 219]. وقال ابن الأنباريّ: لم تسمّ العرب الخمر إثماً في جاهلية ولا إسلام، والشعر المذكور موضوع، وردَّ بأنه مجاز؛ لأنه سببه. وقال أبو حيان: هذا التفسير غير صحيح هنا؛ لأن السورة مكية، ولم تحرم الخمر إلا بالمدينة بعد أُحُد، وقد سبقه إلى هذا غيره. وأيضاً، الحصر يحتاج إلى دليل، كذا في (العناية) { وَٱلْبَغْيَ } أي: الاستطالة على الناس وظلمهم، إنما أفرده بالذكر، مع دخوله فيما قبله، للمبالغة في الزجر عنه. وذلك لأن تخصيصه بالذكر يقتضي أنه تَمَيَّزَ من بينها حتى عدّ نوعاً مستقلاً { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } متعلق بـ(البغي)، مؤكد له معنى. وقيل: البغي قد يخرج عن كونه ظلماً إذا كان بسبب جائز في الشرع، كالقصاص، إلا أنه مثله لا يسمى بغياً حقيقة، بل مشاكلة: { وَ } قد حرَّم { أَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } أي: برهاناً أي: ما لم يقم عليه حجة. قال الزمخشريّ: فيه تهكم؛ لأنه لا يجوز أن ينزل برهاناً بأن يشرك به غيره. وفي (العناية): إنما جاء التهكم من حيث أنه يوهم أنه لو كان عليه سلطان لم يكن محرّماً، دلالة على تقليدهم في الغيّ، والمعنى على نفي الإنزال والسلطان معاً على الوجه الأبلغ - انتهى - قال الرازيّ: وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول بالتقليد باطل. وتبعه القاضي فقال: في الآية تنبيه على تحريم اتباع ما لم يدل عليه برهان { وَ } قد حرّم عليكم { أَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي: تتقوّلوا عليه، وتفتروا الكذب في التحليل والتحريم، أو في الشرك.

تنبيه

قال الجشميّ: تدل الآية على تحريم جميع الذنوب؛ لأن قوله { ٱلْفَوَاحِشَ } و { وَٱلإِثْمَ } ، يشتمل على الصغير والكبير، والأفعال القبيحة، والعقود المخالفة للشرع، والأقاويل الفاسدة، والاعتقادات الباطلة. ودخل في قوله: { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } أفعال الجوارح، وأفعال القلوب، والخيانات، والمكر، والخديعة.

السابقالتالي
2