الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

{ قُلْ } أي: لهؤلاء المشركين الذي يحرمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم { مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } أي: من الثياب وسائر ما يتجمل به { ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } من النبات كالقطن والكتان، والحيوان كالحرير والصوف، والمعادن كالدروع. هكذا عمم المفسرون هنا. ووجهه أن تخصيصه يغني عنه ما مرّ { وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } أي: المستلذات من المآكل والمشارب.

قال المهايميّ: يعني إن زعموا أن التزين والتلذذ ينافيان التذلل الذي هو العبادة، فيحرمان معها، فأعلمهم أن قد أخرجها لعباده الذين خلقهم لعبادته ليتزينوا بها حال العبادة، فعل عبيد الملوك إذا حضروا خدمتهم، ولا ينافي ذلك تذللهم لهم، وكذلك الطيبات التي خلقها لتطييب قلوب عباده ليشكروه، والشكر عبادة، فلا ينافي التلذذُ العبادة، بل قد يكون داعية إليها. انتهى.

تنبيهات

الأول: فسرت (الطيبات) بـ (الحلال)، وفسرت، (اللحم والدَسم) الذي كانوا يحرمونه أيام الحج كما تقدم، وفسرت بـ (البحائر والسوائب) كما قال تعالى:قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً } [يونس: 59]. وظاهر أن لفظ الآية أعم من ذلك، وإن كان يدخل فيه ما ذكر دخولاً أوليًّا، لأنها إنما وردت نعياً عليهم فيه، والعبرة بعموم اللفظ.

قال الرازيّ: لفظ (الزينة) يتناول جميع أنواع التزين، ومنه تنظيف البدن، ومنه المركوب، ومنه أنواع الحليّ (يعني النساء). ثم قال: ويدخل تحت (الطيبات) كل ما يستلذ ويشتهى من أنواع المأكولات والمشروبات، ويدخل تحته التمتع بالنساء والطيب، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون، ما همَّ به من الاختصاء والتبتل.

الثاني: دلت الآية على أن الأصل في المطاعم والملابس وأنواع التجملات الإباحة؛ لأن الاستفهام في (مَنْ) لإنكار تحريمها على وجه بليغ؛ لأن إنكار الفاعل يوجب إنكار الفعل، لعدمه بدونه.

الثالث: في الآية رد على من تورّع من أكل المستلذات وليس الملابس الرقيقة؛ لأنه لا زهد في ترك الطيّب منها، ولهذا جاءت الآية معنونة بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرم ذلك على نفسه، أو حرّمه على غيره، وما أحسن ما قال ابن جرير الطبري: لقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف، على لباس القطن والكتان، مع وجود السبيل إليه من حلّه، ومَنْ أَكَل البقول والعدس، واختاره على خبر البُرّ، ومن ترك أكل اللحم خوفاً من عارض الشهوة - انتهى.

الرابع: قال ابن الفرس: واستدل بالآية، مَن أجاز لبس الحرير والخزّ للرجال. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سنان بن سلمة أنه كان يلبس الخزّ، فقال له الناس: مثلك يلبس هذا؟ فقال لهم: من ذا الذي يحرم زينة الله التي أخرج لعباده؟ ولكن أخرج عن طاووس أنه قرأ هذه الآية وقال: لم يأمرهم بالحرير ولا الديباج؛ ولكنه كانوا إذا طاف أحدهم وعليه ثيابه ضرب وانتزعت عنه.

السابقالتالي
2