الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } أي: لا يخدعنكم عن دخول الجنة، بنزع لباس الشريعة والتقوى عنكم، فيخرجكم من نظر الله بالرحمة إليكم { كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ } نعت لمصدر محذوف، أي: لا يفتننكم فتنةً مثل إخراج أبويكم { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } أي: الظاهر بسبب نزع لباس التقوى { لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ } أي: الظاهرة الدالة على السوأة الباطنة. وجملة { يَنزِعُ } حال من (أبويكم) أو من فاعل (أخرج)، أي: أخرجهما نازعاً لباسهما، بأن كان سبباً في أن نزع عنهما؛ وصيغة المضارع لاستحضار الصورة.

تنبيهان

الأول: قال السيوطيّ في (الإكليل): استدل بهذه الآية أيضاً على وجوب ستر العورة، واستدل بالآيتين من قال: إن العورة هي السوأتان خاصة -انتهى.

الثاني: قال الإمام الرازي: أعلم أن المقصود من ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام حصول العبرة لمن يسمعها، فكأنه تعالى لما ذكر قصة آدم، وبين فيها شدة عداوة الشيطان لآدم وأولاده، أتبعها بأن حذر أولاده من قبول وسوسة الشيطان، فقال: { يَابَنِيۤ ءَادَمَ... } الآية - وذلك لأن الشيطان لما بلغ أثر كيده، ولطف وسوسته، وشدة اهتمامه، إلى أن قَدَرَ على إلقاء آدم في الزلة الموجبة لإخراجه من الجنة - فبأن يقدر على أمثال هذه المضار في حق بني آدم أولى. فبهذا الطريق حذر تعالى بني آدم بالاحتراز عن وسوسته.

وقوله تعالى: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ } أي: جنوده من الشياطين { مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } أي: من مكان لا ترونهم فيه. والجملة استئناف لتعليل النهي، وتأكيد التحذير من فتنته بأنه بمنزلة العدوّ المداجي، يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون. عن مالك بن دينار: إن عدوًّا يراك ولا تراه، لشديد المؤنة، إلا من عصم الله.

تنيبه

قال السيوطي في (الاكليل): قال ابن الفرس: استدل بها بعضهم على أن الجن لا يرون، وأن من قال إنهم يُرَوْنَ فهو كافر - انتهى - ومراده بالبعض، المعتزلة، ولذا قال الزمخشريّ: فيه دليل بيّن أن الجن لا يرون ولا يظهرون للإنس، وأن إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم، وأن زعْم من يدعي رؤيتهم زور ومخرقة - انتهى -.

وقال الجشميّ: تدل على بطلان قول العامة إن الشيطان يتصور لنا ونراه. ثم قال: ومتى قيل: أليس يُرون زمن الأنبياء، ويرى المعاين الملَك؟ فجوابنا: أنه يزداد قوة الشعاع أو تتكاثف أبدانهم، فيكون معجزة للنبيّ - انتهى.

وأجاب أهل السنة كما في (العناية): بأنه قد ثبتت رؤيتهم، بالأحاديث الصحيحة المشهورة، وهي لا تعارض ما في الآية؛ لأن المنفي فيها رؤيتهم إذا لم يتمثلوا لنا.

وقال في فتح البيان: وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن رؤية الشيطان غير ممكنة، وليس في الآية ما يدل على ذلك.

السابقالتالي
2