الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }

{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } يعني: ما يلبس من الثياب وغيره.

قال الزمخشري: جعل ما في الأرض منزلاًَ من السماء؛ لأنه قضى ثمة وكتب، أي: قضى وقسم لكم، وقضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء، حيث كتب في اللوح المحفوظ.

وقال أبو البقاء: لما كان الريش واللباس ينبتان بالمطر، والمطر ينزل، جعل ما هو المسبب بمنزلة السبب - انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له في معنى النزول: لا حاجة إلى إخراج اللفظ عن معناه المعروف لغة، فإن اللباس ينزل من ظهور الأنعام، فامتن سبحانه بما ينتفعون به من الأنعام في اللباس والأثاث، وهذا - والله أعلم - معنى إنزاله، فإنه ينزله من ظهور الأنعام وهو كسوة الأنعام من الأصواف والأوبار والأشعار، وينتفع به بنو آدم في اللباس والرياش، فقد أنزلها عليهم، وأكثر أهل الأرض كسوتهم من جلود الدواب، فهي لدفع الحر والبرد، وأعظم مما يصنع من القطن والكتان.

{ يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ } أي: يستر عوراتكم التي قصد إبليس إبداءها من أبويكم حتى اضطرا إلى خصف الأوراق، وأنتم مستغنون عن ذلك. { وَرِيشاً } عطفه إما من عطف الصفات، فوصف اللباس بشيئين: مواراة السوأة والزينة، فالريش بمعنى الزينة؛ لأنه زينة الطير، فاستعير منه. وأما من عطف الشيء على غيره. أي: أنزلنا لباسين: لباس مواراة، ولباس زينة؛ فيكون مما حذف فيه الموصوف، أي لباساً ريشاً أي: ذا ريش، والريش مشترك بين الاسم والمصدر. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وحكاه البخاريّ عنه: الريش: المال. وحكاه غير واحد من السلف. قال الإمام ابن تيمية: وبعض المفسرين أطلق عليه لفظ المال، والمراد به مال مخصوص. قال ابن زيد: جِمالاً. وقرئ: " رياشاً ". قال ابن السكيت: الرياش: هو الأثاث من المتاع، ما كان من لباس أو حشو من فراش أو دثار، والريش: المتاع والأموال، وقد يكون في الثياب دون الأموال. وإنه لحسن الريش، أي: الثياب -انتهى.

ويقال: راش فلان، أي: جمع الريش، وهو المال والأثاث. وراش الصديقَ أطعمه وسقاه وكساه، وأصله من الريش، كأن الفقير المملق لا نهوض له، كالمقصوص منه الجناح، وكل من أوليته خيراً، فقد رشته - كذا في تاج العروس.

فائدة

روى الإمام أحمد عن أبي أمامة عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: " من استجدّ ثوباً فلبسه، فقال حين يبلغ ترقوته: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي. ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به، كان في ذمه الله تعالى وفي جوار الله، وفي كنف الله حيًّا وميتاً " ورواه الترمذيّ وابن ماجة، وروى الإمام أحمد عن أبي مطر أنه رأى عليّاً رضي الله عنه أتى غلاماً حَدَثاً، فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم، ولبسه إلى ما بين الرسغين إلى الكعبين، ويقول وَلَبَسَهُ: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي.

السابقالتالي
2