الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ }

{ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } أي: أطعمهما. وأصله: الرجل العطشان يدلي في البئر ليروي من مائها، فلا يجد فيها ماءً، فيكون مدليًّا فيها بغرور، فوضعت التدلية موضع الإطماع فيما لا يجدي نفعاً. وفيه إشعار بأنه أهبطهما بذلك من درجة عالية، إلى رتبة سافلة. فإن التدلية والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل. وقيل: معنى دلاهما: جرَّأهما بغروره، والأصل فيه (دلَّلَهما)، والدلّ والدالة الجرأة كما قال:
أَظُنَّ الحلَم دلَّ عليَّ قوْمي   وَقَدْ يُسْتَجْهَلُ الرَّجُلُ الْحَليمُ
فأبدل أحد حرفي التضعيف ياءً:

{ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } أي: أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية فتهافت عنهما اللباس، فظهرت لهما عوراتهما. قال السيوطي في (الإكليل): استدل به بعضهم على أن من ذاق الخمر عصى -انتهى - وهذا وقوف مع ظاهر ما هاهنا، فإن الذوق وجود الطعم بالفم، وظاهر أنه قد يعبر به عن الأكل اليسير، وهو المراد هنا؛ لأنه وقع في آية أخرى مصرحاً بالأكل فيها { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ } أي: أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة { عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } أي: ليستترا به.

قال الجشميّ: تدل على أن ستر العورة كان من شريعة آدم عليه السلام. وقد استدل قوم بالآية على وجوب الستر. قال القاضي: وليس في الآية ما يوجب الوجوب، إذا ليس فيها أكثر من أنهما فعلا ذلك. قال الأصم: وتدل على أن الستر من خلُق آدم وحواء، وأنهما كرها التعري وإن لم يكن لهما ثالث، ففي ذلك دليل على قبح التعري إلا عند الحاجة.

{ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ } أي: يذكرهما النهي السابق والأمر والتجنب عن الشيطان { أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ } أي: عن الأكل منها { وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ }.