الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

{ وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } أي: عن حديث النفس وغيره { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } لما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة، أرشد إلى طريق الفوز بما انطوى عليه من منافعه الجليلة. أي: وإذا قرئ القرآن الذي ذكرت خصائصه، فاستمعوا له، أي: اصغوا إليه بأسماعكم لتفهموا معانيه، وتتدبروا مواعظه، وأنصتوا لقراءته حتى تنقضي، إعظاماً له واحتراماً، لكي تفوزوا بالرحمة التي هي أعظم ثمراته، لا كما يعتمده كفار قريش من قولهم:لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [فصلت: 26].

تنبيهات

الأول: ظاهر الآية يقتضي وجوب الإستماع والإنصات عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، وعليه أهل الظاهر، وهو قول الحسن البصري وأبي مسلم الأصفهانيّ. وقد روى مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصتوا " وكذا رواه أهل السنن من حديث أبي هريرة.

وروى الإمام أحمد وأهل السنن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: " هل قرأ أحد منكم معي آنفاً؟ " قال رجل: نعم. يا رسول الله. قال: " إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ " قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه بالقراءة من الصلاة، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

قال الترمذي: هذا حديث حسن. وصححه أبو حاتم الرازيّ. نعم وردت السنة الصحيحة باستثناء الفاتحة وحدها للمأموم. وذلك فيما رواه عبادة قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: " إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم؟ " قال: قلنا: يا رسول الله! إي والله. قال: " لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها " - رواه أبو داود والترمذي - وفي لفظ: " فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت به، إلا بأم القرآن " رواه أبو داود والنسائي، والدارقطني وقال: رواته كلهم ثقات.

وأخرج ابن حبان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتقرؤون في صلاتكم خلف الإمام، والإمام يقرأ؟ فلا تفعلوا، وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه ".

وأما حديث أبي هريرة المتقدم، فلا يستدل به على عدم قراءة المأموم مطلقاً بل جهراً؛ لأن المنازعة إنما تكون مع جهر المأموم، لا مع إسراره، ولو سلم دخول ذلك في المنازعة لكان الإستفهام الإنكاري فيه عامّاً لجميع القرآن، أو مطلقاً في جميعه. وحديث عبادة خاص أو مقيّد، ولا تعارض بين عام وخاص، أو مطلق ومقيد، لابتناء الأول على الثاني.

السابقالتالي
2