الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ } أي: مما اقترحوه { قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا } أي: هلا تكلفتها وأنشأتها من عندك { قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي } أي: فلست بمفتعل للآيات، ولا أتقدم إليه تعالى في شيء منها. ثم أرشدهم تعالى إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات، وأبين الدلالات، وأصدق الحجج والبينات، فقال سبحانه: { هَـٰذَا } أي: القرآن { بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } أي: بمنزلة البصائر للقلوب، بها يبصر الحق، ويدرك الصواب. فالكلام على طريقة التشبيه البليغ أو سبب البصائر، فهو مجاز مرسل أو استعارة لإرشاده. أو المعنى: حجج بيّنة، وبراهين نيّرة. وإنما جمع خبر المفرد لاشتماله على آيات وسور، جعل كل منها بصيرة. والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم - لتأكيد وجوب الإيمان بها { وَهُدًى } أي: من الضلالة: { وَرَحْمَةً } أي: من العذاب { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي: به، فيتفكرون في حقائقه.

تنبيه

قال الجشميّ: تدل الآية أنه تعالى ينزل الآيات بحسب المصلحة، لا بحسب اقتراحهم؛ لأن ذلك قد يكون فساداً. ويدل قوله: { هَـٰذَا بَصَآئِرُ } أن المعارف مكتسبة. وتدل أن جميع ما يقوله الرسول ويفعله من الشرع من وحيه، لذلك قال: { أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ } ، ومتى قيل: هل تدل الآية على أنه لا يجتهد ولا يقيس؟ قلنا: لا؛ لأن القياس والإجتهاد إذا كان متعبداً به، فاتباعه اتباع الوحي، كالعامي يقبل من المفتي، والعالم يجتهد، ويتبع الوحي، كذلك هذا. والذي يدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل شيئاً من تلقاء نفسه حتى يؤمر به - انتهى كلامه - وفي إطلاقه تفصيل له موضع آخر.