الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ }

{ خُذِ ٱلْعَفْوَ } أي: مكان الغضب، ليكونوا أقبل للنصيحة { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } أي: بالجميل المستحسن من الأفعال، فإنها قريبة من قبول الناس من غير نكير، ولما كان الناصح لغيره، كالمعرَّض لعدوانهم، ثلَّث بما يحتاج إليه في ذلك فقال: { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } أي: المصرِّين على جهلهم، فلا تكافئ السفهاء بمثل سفههم، ولا تمارهم، واحلم عنهم، وأغْضِ على ما يسوؤك منهم.

تنبيهان

الأول: قال بعض العلماء: إن سر الشريعة في الطباع والعادات، هو تأييد المستحسن ومحو المستقبح. وإليه الإشارة بقوله تعالى:وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } [لقمان: 17] فإن المعروف ما عرفته الطباع السليمة واستحسنته، والمنكر ما أنكرته واستقبحته، ذلك لأن غاية الشريعة راحة الخلق على حال ونظام معقولين، فلا يصح الحكم بتوحيد العادات في كل البلاد. اهـ.

الثاني: روي عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه قال: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.

وروى البخاري عن ابن عباس أن عيينة بن حصين قال لعمر بن الخطاب: هي يا ابن الخطاب! فوالله، ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر، حتى همّ أن يوقع به. فقال له الحرّ بن قيس: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } ، وإن هذا من الجاهلين.

قال ابن عباس: والله! ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتاب الله عز وجل.