الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً } أي: كما طلبا { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } أي: أخَلا بالشكر، في مقابلة نعمة الولد الصالح أسوأ إخلال، إذ استبدلوه بالإشراك. وقوله تعالى: { فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزيه فيه معنى التعجب.

تنبيه

هذه الآية سيقت توبيخاً للمشركين في جنايتهم بالشرك، ونقضهم ميثاقهم، في جريهم على خلاف ما يعاهدون الله عليه، وذلك أنه تعالى ذكر ما أنعم به عليهم من الخلق من نفس واحدة، وجعل أزواجهم من أنفسهم ليأنسوا بهن، ثم إنشائه إياهم بعد الغشيان، متدرجين في أطوار الخلق من العدم إلى الوجود، ومن الضعف إلى القوة. ثم بين إعطاءهم المواثيق إن آتاهم ما يطلبون وولد لهم ما يشتهون، ليكونن من الشاكرين. ثم أخبر عن غدرهم وكفرانهم لهذه النعم، التي امتن سبحانه بها عليهم، ونقضهم ميثاقهم في إفراده بالشكر، حيث أشركوا معه غيره في ذلك. ونظير هذه الآية، في الإخبار عن تبديل المشركين نعمة الله كفراً، قوله تعالى في سورة يونس:هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ * فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } [يونس: 22-23]، وقد ذكر المفسرون هاهنا أحاديث وآثاراً تفهم أن المراد بهذا السياق آدم وحواء. ولا حاجة بنا إلى روايتها لأنها واهية الإسناد، معلولة، كما بينه الحافظ ابن كثير في (تفسيره). وتَقَبُّل ثلةٍ من السلف لها وتلقيها - لا يجدي في صحتها شيئاً. إذا أصلها مأخوذ من أقاصيص مسلمة أهل الكتاب، كما برهن عليه ابن كثير. وتهويل بعضهم بأنها مقتبسة من مشكاة النبوة، إذا أخرجها فلان وفلان، من تنميق الألفاظ لتمزيق المعاني، فإن المشكاة النبوية أجلُّ من أن يقتبس منها إلا كل ما عرفت جودته.

إذا علمت ذلك، تبين لك أن من استند إلى تلك الأحاديث والآثار، فذهب إلى أن المراد بالنفس الواحدة وقرينتها، آدم وحواء، ثم أورد على نفسه أنهما بريئان من الشرك، وأن ظاهر النظم يقتضيه، ثم أخذ يؤوله، إما بتقدير مضاف، أي: جعل أولادهما له شركاء، فيما آتى أولادهما، وإما بأن المراد جعل أحدهما وهو (حواء) من إطلاق المثنى وإرادة المفرد، وإما بغير ذلك - فإنه ذهب في غير مذهب.

وقد قرر ما ارتضيناه في معنى الآية غير واحد. قال الحسن البصري، فيما روي عنه ابن جرير: إن الآية عني بها ذرية آدم، ومن أشرك منهم بعده. وفي رواية عنه: كان هذا في بعض الملل، ولم يكن بآدم.

السابقالتالي
2