الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } أي: عن قيامها وحينها { أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } أي: متى إرساؤها أو وقت إرسائها، أي: إثباتها وإقرارها. والرسوّ يستعمل في الأجسام الثقيلة، وإطلاقه على المعاني، تشبيهاً لها بالأجسام { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } أي: لا يظهرها في وقتها إلا هو { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: عظمت وكبرت على أهلهما لهولها وما فيها من المحاسبة والمجازاة. أو ثقل علم وقتها عن أهلهما. أو عظم وصفها على أهل السماوات والأرض، من انتشار النجوم، وتكوير الشمس، وتسيير الجبال { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } أي: فجأة على حين غفلة منكم { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } أي: عالم بها { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: أن علمها عند الله، لم يؤته أحداً من خلقه.

قال الزمخشري: فإن قلت: لم كرر { يَسْأَلُونَكَ } و { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ }؟ قلت: للتأكيد، ولما جاء به من زيادة قوله: { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } وعلى هذا تكرير العلماء الحذاق في كتبهم، لا يُخلون المكرر من فائدة زائدة. انتهى.

وقال الناصر في (الإنتصاف): وفي هذا النوع من التكرير نكتة لا تلفي إلا في الكتاب العزيز، وهو أجلّ من أن يشارك فيها، وذاك أن المعهود في أمثال هذا التكرير، أن الكلام إذا بُني على مقصد، واعترض في أثنائه عارض، فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول، وقد بعد عهده، طُرِّي بذكر المقصد الأول، لتتصل نهايته ببدايته. وقد تقدم لذلك في الكتاب العزيز أمثال، وسيأتي، وهذا منها. فإنه لما ابتدأ الكلام بقوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } ثم اعترض ذكر الجواب المضمن في قوله: { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } إلى قوله: { بَغْتَةً } أريد تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم، وهو المضمن في قوله: { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } وهو شديد التعلق بالسؤال، وقد بعد عهده، فَطُرِّيَ ذكره تطرية عامة، ولا نراه أبداً يطري إلا بنوع من الإجمال، كالتذكرة للأول، مستغني عن تفصيله بما تقدم. فمن ثم قيل: { يَسْأَلُونَكَ } ولم يذكر المسؤول عنه، وهو (الساعة) اكتفاء بما تقدم فلما كرر السؤال لهذه الفائدة، كرر الجواب أيضاً مجملاً، فقال: { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } ويلاحظ هذا في تلخيص الكلام بعد بسطه. ومن أدق ما وَقَفَتْ عليه العرب في هذا النمط من التكرير لأجل بعد العهد، تطرية للذكر، قوله:
عجِّلْ لنا هذا وألحقنا بذا الـ   الشحم إنا قد مللناه بَجَلْ
أي: فقط، فذكر الألف واللام، خاتمة للأول من الرجزين، ثم لما استفتح الرجز الثاني، استبعد العهد بالأولى، فطُرِّيَ ذكرها، وأبقى الأولى في مكانها. ومن ثم استدل ابن جني على أن ما كان من الرجز على ثلاثة أجزاء، فهو بيت كامل، وليس بنصف، كما ذهب إليه أبو الحسن.

السابقالتالي
2