الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا } أي: خلقنا { لِجَهَنَّمَ } أي: لدخولها والتعذيب بها { كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } وهم الكفار من الفريقين، الموصوفون بقوله تعالى: { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } أي: آيات الله الهادية إلى الكمالات { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } أي: دلائل وحدته، بَصَرَ اعتبار { وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } أي: الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ، يعني: أنهم لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سبباً للهداية، كما قال تعالى:وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [الأحقاف: 26].

{ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ } أي: السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها، إلا في الذي يقيتها، كقوله تعالى:وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً } [البقرة: 171] أي: ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان، كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها، لا تسمع إلا صوته، ولا تفقه ما يقول.

وقوله تعالى: { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } أي: من الأنعام، إذ ليس للأنعام قوة تحصيل تلك الكمالات ودفع تلك النقائص، وهم مع ما لهم من تلك القوة قد خلوا عن الكمالات، وعن دفع أضدادها، فكانوا أردأ حالاً منها؛ لنقصهم مع وجود قوة الكمال فيهم. وأيضاً: الأنعام تبصر منافعها ومضارها، فتلزم بعض ما تبصره، وهؤلاء، أكثرهم يعلم أنه معاند، فيقدم على النار. وأيضاً: الأنعام قد تستجيب لراعيها، وإن لم تفقه كلامه، بخلاف هؤلاء، وأيضاً: إنها تفعل ما خلقت له، إما بطبعها، وإما بتسخيرها، بخلاف هؤلاء، فإنهم خلقوا ليعبدوا الله، ويوحدوه، فكفروا به وأشركوا { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } أي: عن تلك الكمالات والنقائص، ليهتموا لتحصيلها ودفعها، اهتمامهم لجر المنافع الدنيوية، ودفع مضارها.

تنبيه

قال أبو السعود: المراد بهؤلاء الذي ذرؤوا لجهنم، الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة، لكن لا بطريق الجبر، من غير أن يكون من قِبَلِهم ما يؤدي إلى ذلك، بل لعلمه تعالى بأنهم لا يصرفون اختيارهم نحو الحق أبداً، بل يصرّون على الباطل من غير صارف يلويهم، ولا عاطف يثنيهم من الآيات والنذر. فبهذا الاعتبار جعل خلقهم مغياً بها، كما أن جميع الفريقين باعتبار استعدادهم الكامل الفطري للعبادة، وتمكنهم التام منها، جعل خلقهم مغياً بها. كما نطق به قوله تعالى:وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56].