الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ }

{ سَآءَ مَثَلاً } أي: ما مثل به { ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي: حيث شبهوا بالكلاب، إما في استواء الحالتين في النقصان، وأنهم ضالون، وعظوا أم لم يوعظوا كما قدمنا، وإما في الخسة، فإن الكلاب لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة، فمن خرج عن حيز الهدى والعلم، وأقبل على هواه، صار شبيهاً بالكلب، وبئس المثل مثله. ولهذا ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: " ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ".

{ وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } اعلم أن من السلف من ذهب إلى أن هذه الآية مثل ضربه الله لمن عرض عليه الإيمان فأبى أن يقبله وتركه، وهو قول قتادة وعكرمة واختاره أبو مسلم، حيث قال: قوله:ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } [الأعراف: 175] أي: بيناها، فلم يقبل، وعرى منها. وسواء قولك: انسلخ وعرى وتباعد. وهذا يقع على كل كافر لم يؤمن بالأدلة، وأقام على الكفر. قال: ونظيره قوله تعالى:يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } [النساء: 47]، وقال في حق فرعون:وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } [طه: 56]. ومنهم من ذهب إلى أن الموصول فيها أريد به معيّن، فروي عن عبد الله بن عُمَر وسعيد بن المسيب وزيد ابن أسلم وأبي روق أنه أمية بن أبي الصلت، فإنه كان قد قرأ الكتب، وعلم أن الله مرسل رسولاً في ذلك الوقت، ورجا أن يكون هو، فلما أرسل الله محمداً عليه الصلاة والسلام، حسده، ثم مات كافراً، ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه آمن شعره وكفر قلبه " يريد أن شعره كشعر المؤمنين، وذلك أنه يوحد الله في شعره، ويذكر دلائل توحيده.

وقيل: نزلت في أبي عامر الراهب، الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم: (الفاسق)، كان يترهب في الجاهلية، فلما جاء الإسلام خرج إلى الشام، وأمر المنافقين باتخاذ مسجد الضرار والشقاق، وأتى قيصر واستنجده على النبي صلى الله عليه وسلم، فمات هناك طريداً وحيداً. وهو قول سعيد بن المسيب.

وقيل: نزلت في منافقي أهل الكتاب، كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكروه. عن الحسن والأصم.

وقيل: إنه فرعون، والآيات آيات موسى، كأنه لما اقتص أنباء بني إسرائيل عاد إلى قصة فرعون وضرب له المثل.

ومن الأقوال التي تناقلها المفسرون أنها نزلت في بلعام بن بَعُور، ويحكون عنه قصة لم تُرْوُ في جوامع الآثار الصحيحة عندنا، ولا هي مطابقة لما عند أهل الكتاب. فقد ذكر نبؤه في الفصل الثاني والعشرين والثالث والعشرين من سفر العدد، من تاريخ التوراة، بغير ما يرويه المفسرون عنه.

السابقالتالي
2