الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } أي: آذن، (كتوعد بمعنى أوعد). من (الإيذان) بمعنى (الإعلام) أُجْريَ مجرى فعل القسم، كعلم الله، وشهد الله. ولذلك أجيب بما يجاب به القسم، وهو قوله: { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } والمعنى: وإذ حتم ربك وحكم، ليسلطن على اليهود { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } كالإذلال وضرب الجزية وغير ذلك، بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه، واحتيالهم على المحارم. وقد بعث الله تعالى، بعد سليمان عليه السلام، بختنصر مالك بابل، فخرب ديارهم، وقتل مقاتلتهم، وسبي نساءهم وذراريهم، وضرب الجزية على من بقي منهم، وجلا كثيراً منهم إلى بابل - قصبة مملكته - وأقاموا فيها سبعين سنة، ثم تسلطت عليهم ملوك شتى، ولبثوا زماناً طويلاً يكابدون بلاء عنيفاً، من تواتر الحروب على بلادهم، إلى أن صاروا جميعاً تحت سلطة الرومان، بعد ولادة عيسى عليه السلام بإحدى وسبعين سنة، واستؤصلوا من أرضهم، وتفرقوا في البلاد شذر مذر، صاغرين مقهورين. ومن هاهنا، استدل من استدل بأنهم لا يكون لهم دولة ولا عز، وباتصال ذلهم. { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } لمن أقام على كفره، ونبذ وصاياه { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي: لمن تاب وآمن وعمل صالحاً.

ثم أخبر تعالى عن تبددهم في الأقطار بقوله:

{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ... }.