الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ ٱلَّذِينَ } بدل من الموصول الأول، بدل الكل، أو منصوب على المدح، أو مرفوع عليه، أي: أعني الذين أو هم الذين { يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ } أي: الذي أرسل إلى الخلائق لتكميلهم { ٱلنَّبِيَّ } أي: الذي نبئ بأكمل الإعتقادات والأعمال والأخلاق والأحوال والمقامات من جهة الوحي { ٱلأُمِّيَّ } أي: الذي لم يحصل علماً من بشر { ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً } أي: باسمه (محمد وأحمد) ونعوته { عِندَهُمْ } زيد هذا لزيادة التقرير، وأن شأنه عليه الصلاة والسلام حاضر عندهم لا يغيب عنهم أصلاً { فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ } يعني: الإيمان بالله، ووحدانيته والشرائع ومكارم الأخلاق؛ لأن جميع ذلك تعرف صحته إما بالعقل وإما بالشرع { وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } يعني: الكفر والشرك والمعاصي ومساوئ الأخلاق، لأن العقل والشرع ينكره { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي: التي حرمت عليهم لمعاصيهم { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ } أي: التي كانوا يتناولونها كالخنزير والميتة والدم - هذا في باب المأكولات { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } أي: الأمر الذي يثقل عليهم من التكاليف الشاقة { وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } جمع (غُلّ) بالضم، وهو ما يوضع في العنق أو اليد من الحديد، يستعار للشرائط الحرجة والمواثيق الشديدة، أي: يخفف عنهم ما كلفوه منها - وهذا في باب العبادات { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ } أي: بالنبيّ الأمي وهو محمد صلى الله عليه وسلم { وَعَزَّرُوهُ } أي: عظموه ووقروه { وَنَصَرُوهُ } أي: على أعدائه في الدين فمنعوهم عنه { وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } وهو القرآن، فأحلوا حلاله، وحرّموا حرامه.

ولا يقال: القرآن أنزل مع جبريل، فما معنى { أُنزِلَ مَعَهُ }؟ لأن المراد أنزل مع نبوّته، لأن استنباءه كان مصحوباً بالقرآن مشفوعاً به، ويجوز أن يعلق بـ (اتبعوا) أي واتبعوا القرآن المنزل مع اتباع النبي، والعمل بسنته، وبما أمر ونهى عنه، فيكون أمراً بالعمل بالكتاب والسنة، أو هو حال، أي: اتبعوا القرآن كما اتبعه، مصاحبين له في اتباعه. وفي التعبير عن القرآن بـ (النور) المنبئ عن كونه ظاهراً بنفسه لإعجازه، ومظهراً لغيره من الأحكام، لمناسبة الاتباع { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الفائزون بالرحمة، والناجون من النقمة.

تنبيهات

الأول: يظهر من سياق الآية أن قوله تعالى:قَالَ عَذَابِيۤ... } [الأعراف: 156] الخ، جواب لموسى عليه السلام، وذلك أنه دعا بالمغفرة لقومه أجمعين، وكتابة حسنتي الدنيا والآخرة لهم، فأجيب أولاً بأن ذلك لا يحصل لقومه كلهم، برًّ أو فاجراً، لما سبق من تقديره سبحانه العذاب لمن يشاء من الفجار حكمة منه وعدلاً. ولذلك قرأ الحسن وزيد بن عليّ هنا (من أساء) فعل ماض من (الإساءة)، وفي طيه أن ما أصاب قومه من الرجفة من عذابه تعالى، الذي شاء إصابتهم به لأفاعيلهم. وثانياً إنه لا يستأهل كتابة الحسنتين إلا المتقون المتصدقون المؤمنون بالآيات، المتبعون للنبيّ الأمي، فمن استقام على هذه الشرائط، كتب له ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10