{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ } أي: عندما يلاقي العذاب { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } أي: أي شيء حسابي. { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } قال ابن جرير: أي: يا ليت الموتة التي متُّها في الدنيا كانت هي الفراغ من كل ما بعدها، ولم يكن بعدها حياة ولا بعث. و (القضاء) هو الفراغ. وقيل إنه تمنى الموت الذي يقضي عليه، فتخرج منه نفسه. { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } أي: ما دفع من عذاب الله شيئاً. { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } أي: ملكي وتسلطي على الناس. أو حجتي، فلا حجة لي أحتج بها. { خُذُوهُ } أي: يقال لخزنة النار: خذوه بالقهر والشدة { فَغُلُّوهُ } أي: ضموا يده إلى عنقه، إذا لم يشكر ما ملكته. { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } أي: أدخلوه ليصلَى فيها؛ لأنه لم يشكر شيئاً من النعم، فأذيقوه شدائد النقم. { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ } أي: حلقة منتظمة بأخرى، وهي بثالثة، وهلم جرا. { ذَرْعُهَا } أي: مقدارها { سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } فأدخلوه فيها. أي: لفوه بها بحيث يكون فيما بين حلقها مرهقاً، لا يقدر على حركة. قال القاشاني: والسبعون في العرف عبارة عن الكثرة غير المحصورة، لا العدد المعين ثم علل استحقاقه ذلك على طريقة الاستئناف، بقوله: { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } أي: المستحق للعظمة وحده، بل كان يشرك معه الجماد المهين. { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } أي: إطعامه، فضلاً عن بذله، لتناهي شحه. { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ } أي: قريب تأخذه الحمية له. { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } أي: من غسالة أهل النار وصديدهم. قال ابن جرير: كان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: كل جرح غسلته فخرج منه شيء فهو (غسلين) فعلين من الغسل من الجراح والدَّبَر، وزيد فيه الياء والنون بمنزلة عفرين. { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ } أي: الآثمون، أصحاب الخطايا. يقال: خطيء الرجل، إذا تعمد الخطأ. قال الرازي: الطعام ما هيئ للأكل. فلما هيئ الصديد ليأكله أهل النار كان طعاماً لهم. ويجوز أن يكون المعنى أن ذلك أقيم مقام الطعام، فسمي طعاماً. كما قال: