الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } * { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } * { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } * { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ } * { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } * { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ }

{ إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } أي: في الكرامة والمثوبة الحسنى، والعاقبة الحميدة. { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } أي: بما ينبو عنه العقل السليم، فإنهما لا يستويان في قضيته. { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } أي: من الأمور لأنفسكم، وتشتهونه لكم، كقوله:أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ } [فاطر: 40] وهذا توبيخ لهم وتقريع فيما كانوا يقولون من الباطل، ويتمنون من الأماني الكاذبة { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } أي: تقضون من أمانيكم ومزاعمكم.

قال الزمخشري: يقال: لفلان علي يمين بكذا، إذا ضمنته منه، وحلفت له على الوفاء به. يعني: أم ضمنا منكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد. و { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } جواب القسم! لأن معنى { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا } أم أقسمنا لكم. فـ { بَالِغَةٌ } - كما قال الشهاب - معناه المراد منه، متناهية في التوكيد. وأصله بالغة أقصى ما يمكن، فحذف منه اختصاراً، وشاع في هذا المعنى

{ سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ } أي: الحكم { زَعِيمٌ } أي: كفيل به، يدعيه ويصححه. { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ } أي: ناس يشاركونهم في هذا الزعم، ويوافقونهم عليه. { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } أي: في دعواهم.

قال الزمخشري: يعني: أن أحداً لا يسلم لهم بهذا، ولا يساعدهم عليه، كما أنه لا كتاب لهم ينطق به، ولا عهد به عند الله، ولا زعيم لهم يقوم به. ففيه تنبيه على نفي جميع ما يمكن أن يتشبثوا به من عقل أو نقل.

{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال ابن عباس: أي: عن أمر شديد مفظع من هول يوم القيامة. ألا تسمع العرب تقول: شالت الحرب عن ساق؟ - رواه ابن جرير.

{ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } أي: لما أحاط بهم من العذاب الهائل الحائل.

{ خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي: تغشاهم ذلة العصيان السالف لهم. { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ } أي: لا مانع يمنعهم منه. والمراد من السجود: عبادة الله وحده، وإسلام الوجه له، والعمل بما أمر به من الصالحات.

تنبيه

ما أثرنا عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى: { عَن سَاقٍ } هو المعنى الظاهر المناسب للتهويل المطرد في توصيف ذلك اليوم في أمثال هذه الآية، وعليه اقتصر الزمخشري، وعبارته: الكشف عن الساق، والإبداء عن الخدام، مثل في شدة الأمر، وصعوبة الخطب. وأصله في الروع والهزيمة، وتشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب، وإبداء خدامهن عند ذلك. قال حاتم:
أخو الحرب، إن عضَّتْ به الحربُ عَضَّها   وإنَ شَمَّرَتْ عن ساقها الحربُ شَمَّرا
وقال ابن الرقيات:

السابقالتالي
2