الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } * { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } * { هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } * { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ }

{ فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } أي: بآيات الله، وما جاءهم من الحق.

قال الزمخشري: تهييج وإلهاب على معاصاتهم.

{ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } أي: ودوا لو تركن إلى آلهتهم، وتترك ما أنت عليه من الحق، فيمالئونك - رواه ابن جرير عن مجاهد - ثم قال: أي: لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك، كما قال جل ثناؤه:وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } [الإسراء: 74 - 75] وإنما هو مأخوذ من الدهن، شبه التليين في القول بتليين الدهن. { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ } أي: كثير الحلف. قال الزمخشري: وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف، ومثله قوله تعالى:وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } [البقرة: 224]. { مَّهِينٍ } أي: حقير الرأي والتمييز.

{ هَمَّازٍ } أي: عياب طعان، قال ابن جرير: والهمز أصله: الغمز. فقيل للمغتاب: هماز، لأنه يطعن في أعراض الناس بما يكرهون، وذلك غمز عليهم. { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } أي: نقال لحديث الناس بعضهم في بعض، للإفساد بينهم.

{ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } أي: بخيل بالمال، ضنين به. والخير المال. أو صاد عن الإسلام. { مُعْتَدٍ } أي: على الناس، متجاوز في ظلمهم. { أَثِيمٍ } كثير الآثام.

{ عُتُلٍّ } أي: جاف غليظ. دعي { بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } أي: دعيّ ملصق في النسب، ليس منهم. أو مريب يعرف بالشر. قال ابن جرير: ومعنى { بَعْدَ } في هذا الموضع معنى (مع).

وقال الشهاب: الإشارة لجميع ما قبله من النقائص، لا للأخير فقط. وهي للدلالة على أن ما بعده أعظم في القباحة. فـ { بَعْدَ } هنا كـ (ثم) الدالة على التفاوت الرتبي، كما مر في قوله:بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [التحريم: 4].

{ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } قال الزمخشري: متعلق بقوله: { وَلاَ تُطِعْ } يعني: ولا تطعه مع هذه المثالب؛ لأن كان ذا مال. أي: ليساره وحظه من الدنيا. ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى لكونه متمولا مستظهراً بالبنين، كذب بآياتنا.

{ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا } أي: تقرأ عليه آيات كتابنا { قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: هذا مما كتبه الأولون استهزاء به، وإنكاراً منه أن يكون ذلك من عند الله.

وقوله: { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } عدة منه تعالى بغاية إذلاله، بعد تناهي كبره وعجبه وزهوه وعتوه. تقول العرب: وسمته بميسم السوء: يريدون أنه ألصق به من العار مالا يفارقه. قال جرير:
لما وضعت على الفرزدق ميسمي   وعلى البعيث، جَدَعْتُ أنفَ الأَخْطَلِ
قال الزمخشري: الوجه أكرم موضع في الجسد والأنف أكرم موضع من الوجه لتقدمه له، ولذلك جعلوه مكان العز والحميّة، واشتقوا منه (الأنفة) وقالوا: الأنف في الأنف، وحمى أنفه، وفلان شامخ العرنين. وقالوا في الذليل: جدع أنفه، ورغم أنفه.

السابقالتالي
2