الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. قال المهايمي: ناداه ليقبل إليه بالكلية، ويدبر عن كل ما سواه من الأزواج وغيرهن. وعبر عنه بالمبهم إشعاراً منه بأنه من غاية عظمته، بحيث لا يعلم كنهه. وأتى بلفظ { ٱلنَّبِيُّ } إشعاراً بأنه الذي نبئ بأسرار التحليل والتحريم الإلهي. والمراد بتحريمه ما أحل له امتناعه منه، وحظره إياه على نفسه. وهذا المقدار مباح ليس في ارتكابه جناح، وإنما قيل له: { لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } رفقاً به، وشفقة عليه، وتنويهاً لقدره ولمنصبه صلى الله عليه وسلم، أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه، جرياً على ما ألف من لطف الله تعالى بنبيه، ورفعه عن أن يحرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه، ومن أجله خلقوا، ليظهر الله كمال نبوته، بظهور نقصانهم عنه - كما أفاده الناصر.

تنبيهان

الأول: للأثريين في هذا الذي حرمه، صلوات الله عليه، على نفسه، روايات. فروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش، ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها فلتقل له: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال: " بل شربت عسلاً عند زينب ابنة جحش، فلن أعود له، وقد حلفت! لا تخبري بذلك أحداً " ، فنزلت الآية.

وروى الشيخان أيضاً عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء والعسل، وكان إذا صلى العصر دار على نسائه، فيدنو من كل واحدة منهن. فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس. فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت إليها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: والله لنحتالن له! فذكرت ذلك لسودة، وقلت لها: إذا دخل عليك ودنا منك، فقولي له: يا رسول الله!، أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا فقولي له: وما هذه الريح؟ وكان صلى الله عليه وسلم يكره أن يوجد منه الريح الكريه! فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: أكلت نحله العرفط، حتى صار فيه - أي في العسل - ذلك الريح الكريه. وإذا دخل علي فسأقول له ذلك. وقولي أنت يا صفية ذلك. فلما دخل على سودة قالت له مثل ما علمتها عائشة، وأجابها بما تقدم. فلما دخل على صفية، قالت له مثل ذلك. فلما دخل على عائشة قالت له مثل ذلك. فلما كان اليوم الآخر ودخل على حفصة قالت له: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: " لا حاجة لي به ". قالت: إن سودة تقول: سبحان الله، لقد حرمناه منه، فقلت لها: اسكتي ".


السابقالتالي
2 3