الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ }

{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ } أي: من سعتكم التي تجدون, وطاقتكم ومقدرتكم { وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ } أي: لا تستعملوا معهن الضرار { لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ } أي: في المسكن ببعض الأسباب، من إنزال من لا يوافقهن، أو بشغل مكانهن، أو غير ذلك حتى تضطروهن إلى الخروج أو الافتداء.

تنبيه

قال في (الإكليل): في الآية وجوب السكنى للمطلقات كلهن، وللبوائن، لتقدم سكنى الرجعيات، ولقوله بعده: { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ } فإنه خاص بالبوائن. وفيه أن الإسكان يعتبر بحال الزوج، وتحريم المضارة بها، وإلجائها إلى الخروج. { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } قال ابن جرير: أي وإن كان نساؤكم المطلقات أولات حمل، وكن بائنات منكم، فأنفقوا عليهن في عدتهن منكم حتى يضعن حملهن. فعن ابن عباس في الآية قال: هذه المرأة يطلقها زوجها، فيبت طلاقها وهي حامل، فيأمره الله أن يسكنها، وينفق عليها حتى تضع، وإن أرضعت فحتى تفطم، وإن أبان طلاقها وليس بها حبل، فلها السكنى حتى تنقضي عدتها، ولا نفقة. وكذلك المرأة يموت عنها زوجها فإن كانت حاملاً أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث، وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها، كما قال الله عز وجل:وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } [البقرة: 233]. فإن لم تكن حاملا فإن نفقتها كانت من مالها.

ثم قال ابن جرير: وقال آخرون عنى بقوله: { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } كل مطلقة ملك زوجها رجعتها أو لم يملك. وممن قال ذلك عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.

فعن إبراهيم قال: كان عمر وعبد الله يجعلان للمطلقة ثلاثاً، السكنى والنفقة والمتعة. وكان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس، " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في غير بيت زوجها. قال: ما كنا لنجيز في ديننا شهادة امرأة ".

ثم قال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك عندنا أن لا نفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملاً؛ لأن الله جل ثناؤه جعل النفقة بقوله: { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ } للحوامل دون غيرهن من البائنات من أزواجهن، ولو كان البوائن من الحوامل وغير الحوامل في الواجب لهن من النفقة على أزواجهن سواء، لم يكن لخصوص أولات الأحمال بالذكر في هذا الموضع وجه مفهوم، إذ هن وغيرهن في ذلك سواء. وفي خصوصهن بالذكر دون غيرهن أدل الدليل على أن لا نفقة لبائن إلا أن تكون حاملا. وبالذي قلنا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: حدثتني فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس

السابقالتالي
2 3