الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }

{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي: في وقتها، وهو الطهر. فاللام للتأقيت.

وقال الناصر: جعلت العدة، وإن كان في الأصل مصدراً، ظرفاً للطلاق المأمور به.

وكثيراً ما تستعمل العرب المصادر ظرفاً، مثل خفوق النجم، ومقدم الحاج. وإذا كانت العدة ظرفاً للطلاق المأمور به، وزمانه هو الطهر، فالطهر عدة إذا.

قال ابن جرير: أي: إذا طلقتم نساءكم فطلقوهن لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن طاهراً من غير جماع، ولا تطلقوهن بحيضهن الذي لا يعتددن به من قرئهن. ثم روي عن قتادة قال: العدة أن يطلقها طاهراً من غير جماع، تطليقة واحدة.

قال ابن كثير: ومن ههنا أخذ الفقهاء أحكام الطلاق وقسموه إلى طلاق سنة، وطلاق بدعة. فطلاق السنة أن يطلقها طاهرة من غير جماع، أو حاملا قد استبان حملها. والبدعي هو أن يطلقها في حال الحيض، أو في طهر قد جامعها فيه، ولا يدري أحملت أم لا. وطلاق ثالث لا سنة فيه ولا بدعة، وهو طلاق الصغيرة والآيسة، وغير المدخول بها. وسيأتي في التنبيهات زيادة على هذا.

{ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } أي: اضبطوها وأكملوها ثلاثة أقراء { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } أي: اتقوه في تعدي حدوده في المطلقات، فلا تخرجوهن من بيوتهن التي كنتم أسكنتموهن فيها قبل الطلاق، غضباً عليهن، وكراهة لمساكنتهن؛ لأن لهن حق السكنى حتى تنقضي عدتهن.

{ وَلاَ يَخْرُجْنَ } أي: باستبدادهن من تلقاء أنفسهن.

قال الناصر: قوله تعالى: { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } توطئة لقوله: { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } حتى كأنه نهي عن الإخراج مرتين: مندرجاً في العموم، ومفرداً بالخصوص. وقد تقدمت أمثاله.

{ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } أي: فإنهن يخرجن. و (الفاحشة): الزنا، أو أن تبذو المطلقة على أهلها، أو هي كل أمر قبيح تعدى فيه حده، فيدخل فيه الزنا والسرقة والبذاء على الأحماء ونحوهما، والأخير مختار ابن جرير، وقوفاً مع عموم اللفظ الكريم.

{ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } أي: بتعريضها للعقاب بما أكسبها من الوزر. أو أضر بها بما اكتسب من قوة النفار، وشدة البغضة التي قد تتفاقم فتعسر الرجعة، مع أن الأولى تخفيف الشنآن، وتلافي الهجران - وهو الأظهر - ولذا قال سبحانه: { لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } فإنه استئناف مسوق لتعليل مضمون الشرطية.

قال أبو السعود: وقد قالوا إن الأمر الذي يحدثه الله تعالى، أن يقلب قلبه عما فعله بالتعدي إلى خلافه، فلا بد أن يكون الظلم عبارة عن ضرر دنيوي يلحقه بسبب تعديه ولا يمكن تداركه. أو عن مطلق الضرر الشامل للدنيوي والأخروي. ويخص التعليل بالدنيوي لكون احتراز الناس منه أشد، واهتمامهم بدفعه أقوى.

السابقالتالي
2 3 4 5