الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } أي: أنصاراً. نهيٌ لأصحاب النبيّ صلوات الله عليه، عن موالاة مشركي مكة المحاربين لله ولرسوله وقتئذ لما فيها من الفتنة بالدين وأهله كما يأتي. { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } أي: صميم المحبة، والباء زائدة في المفعول { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ } أي: من الإيمان بالله ورسوله وكتابه الذي هو نهاية الهدى وغاية السعادة.

ثم أشار إلى أنه لم يكفهم ذلك حتى آذوا المؤمنين، بما يقطع العلائق معهم رأساً، بقوله { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } أي: من أرضكم ودياركم { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } أي: يخرجونكم لإيمانكم بالله، الجامع للكمالات المقتضية انقياد الناقص له، لاسيما باعتبار اتصافه بوصف كونه ربّاكم بالكمالات، فهي بالحقيقة عداوة مع الله.

قال ابن كثير: هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم، وعدم موالاتهم؛ لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم، كراهة لما هم عليه من التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده. ولهذا قال تعالى: { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } أي: لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين كقوله تعالى:وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [البروج: 8] وكقوله تعالى:ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } [الحج: 40].

وقوله تعالى: { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ } أي: هاجرتم { جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي } أي: للجهاد في طريقي الذي شرعته لكم، وديني الذي أمرتكم به، والتماس رضائي عنكم الذي لا ثواب فوقه، والشرط متعلق بـ { لاَ تَتَّخِذُواْ } أي: لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ } أي: من المودة معهم وغيرها { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي: اتخاذهم أولياء { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي: جار عن السبيل السويّ الذي جعله الله هدى ونجاة.