{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } أي: أنصاراً. نهيٌ لأصحاب النبيّ صلوات الله عليه، عن موالاة مشركي مكة المحاربين لله ولرسوله وقتئذ لما فيها من الفتنة بالدين وأهله كما يأتي. { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } أي: صميم المحبة، والباء زائدة في المفعول { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ } أي: من الإيمان بالله ورسوله وكتابه الذي هو نهاية الهدى وغاية السعادة. ثم أشار إلى أنه لم يكفهم ذلك حتى آذوا المؤمنين، بما يقطع العلائق معهم رأساً، بقوله { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } أي: من أرضكم ودياركم { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } أي: يخرجونكم لإيمانكم بالله، الجامع للكمالات المقتضية انقياد الناقص له، لاسيما باعتبار اتصافه بوصف كونه ربّاكم بالكمالات، فهي بالحقيقة عداوة مع الله. قال ابن كثير: هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم، وعدم موالاتهم؛ لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم، كراهة لما هم عليه من التوحيد، وإخلاص العبادة لله وحده. ولهذا قال تعالى: { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } أي: لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين كقوله تعالى:{ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [البروج: 8] وكقوله تعالى:{ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } [الحج: 40]. وقوله تعالى: { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ } أي: هاجرتم { جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي } أي: للجهاد في طريقي الذي شرعته لكم، وديني الذي أمرتكم به، والتماس رضائي عنكم الذي لا ثواب فوقه، والشرط متعلق بـ { لاَ تَتَّخِذُواْ } أي: لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ } أي: من المودة معهم وغيرها { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ } أي: اتخاذهم أولياء { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي: جار عن السبيل السويّ الذي جعله الله هدى ونجاة.