الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } أي: من السحاب، لقوله تعالى:أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } [الواقعة: 68-69] وسمي السحاب سماء؛ لأن العرب تسمي كل ما علا سماء.

{ فَأَخْرَجْنَا بِهِ } التفت إلى التكلم إظهاراً لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله أي: فأخرجنا بعظمتنا بذلك الماء، مع وحدته { نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } أي: صنف من أصناف النبات والثمار المختلفة الطعوم والألوان، كقوله تعالى:يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ } [الرعد: 4].

{ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ } أي: من النبات، يعني: أصوله { خَضِراً } أي: شيئاً غضاً أخصر. يقال: أخضر وخضِر، كأعور وعور، وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة، { نُّخْرِجُ مِنْهُ } صفة لـ (خضرا) وصيغة المضارع، لاستحضار الصورة، لما فيها من الغرابة، أي: نخرج من ذلك الخضر { حَبّاً مُّتَرَاكِباً } أي: متراكماً بعضه على بعض، مثل سنابل البر والشعير والأرز.

قال الرازيّ: ويحصل فوق السنبلة أجسام دقيقة حادة كأنها الإبر، والمقصود من تخليقها أن تمنع الطيور من التقاط تلك الحبات المتراكبة.

ثم بين تعالى ما ينشأ عن النوى من الشجر، إثر بيان ما ينشأ عن الحب من النبات بقوله سبحانه: { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } الطلع: أول ما يبدو من ثمر النخيل كالكيزان يكون فيه العذق، فإذا شق عنه كيزانه سمي عذقا (بكسر العين وسكون الذال المعجمة بعدها) - وهو القنو، أي: العرجون، بما فيه من الشماريخ، وجمعه قنوان - (مثلث القاف) وهو ومثناه سواء، لا يفرق بينهما إلا الإعراب.

قال الزمخشريّ: قنوان، رفع بالابتداء، و { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ } خبره، و { مِن طَلْعِهَا } بدل منه، كأنه قيل: وحاصلة من طلع النخل قنوان. انتهى. وجوّز أن يكون { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ } عطفاً على (منه)، وما بعده مبتدأ وخبر. أي: وأخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان دانية، أي: ملتفة، يقرب بعضها من بعض، أو قريبة من المتناول، وإنما اقتصر على ذكرها لدلالتها على مقابلها، أعني: البعيدة، كقوله تعالى:سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81] ولزيادة النعمة فيها { وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ } عطف على { نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } أي: وأخرجنا به جنات، أو على { خَضِراً }. وقال الطيبيّ: الأظهر أن يكون عطفاً على { حَبّاً } لأن قوله: { نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } مفصل لاشتماله على كل صنف من أصناف النامي، كأنه قال: فأخرجنا بالنامي نبات كل شيء ينبت كل صنف من أصناف النامي. والنامي: الحب والنوى وشبههما.

وقوله: { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً... } إلخ تفصيل لذلك النبات. أي: أخرجنا منه خضرا بسبب الماء، فيكون بدلا من (فأخرجنا) الأول، بدل اشتمال. ومن ههنا يقع التفصيل، فبعض يخرج منه السنابل ذات حبوب متكاثرة، وبعض يخرج منه ذات قنوان دانية، وبعض آخر جنات معروشات.

السابقالتالي
2 3