الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الأنبياء المذكورين { ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } أي: إلى الصراط المستقيم { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } أي: بطريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده، والأخلاق الحميدة، والأفعال المرضية، والصفات الرفيعة، اعمل.

تنبيهات

الأول: استدل بهذه الآية من قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد ناسخ.

الثاني: استدل بها ابن عباس رضي الله عنه على استحباب السجدة في (ص)؛ لأن داود عليه السلام سجدها، رواه البخاريّ وغيره - ولفظ البخاريّ: عن العوّام، قال: سألت مجاهداً عن سجدة (ص)، فقال: سألت ابن عباس: من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ: { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ... أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } فكان داود ممن أُمِرَ نَبِيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به، فسجدها داود عليه السلام فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثالث: قال الرازي: احتج العلماء بهذه الآية على أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وتقريره: أنا بيّنا أن خصال الكمال، وصفة الشرف، كانت مفرقة فيهم بأجمعهم، فداود وسليمان كانا من أصحاب الشكر على النعمة، وأيوب كان من أصحاب الصبر على البلاء، ويوسف كان مستجمعاً لهاتين الحالتين، وموسى عليه السلام كان صاحب الشريعة القوية القاهرة، والمعجزات الظاهرة، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كانوا أصحاب الزهد، وإسماعيل كان صاحب الصدق، ويونس كان صاحب التضرع، فثبت أنه تعالى إنما ذكر كل واحد من هؤلاء الأنبياء؛ لأن الغالب عليه خصلة معينة من خصال المدح والشرف. ثم إنه تعالى لما ذكر الكل، أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي بهم بأسرهم، فكأنه أمر بأن يجمع من خصال العبودية والطاعة كل الصفات التي كانت مفرقة فيهم بأجمعهم، وهو معصوم عن مخالفة ما أمر به، فثبت أنه اجتمع فيه جميع ما تفرق فيهم من الكمال، وثبت أنه أفضلهم. وهو استنباط حسن.

الرابع: { ٱقْتَدِهْ } يُقرأ بسكون الهاء وإثباتها في الوقف دون الوصل، وهي على هذا هاء السكت. ومنهم من يثبتها في الوصل أيضاً لشبهها بهاء الإضمار. ومنهم من يكسرها وفيه وجهان: أحدهما هي هاء السكت أيضاً، شبهت بهاء الضمير، وليس بشيء. والثاني هي هاء الضمير والمضمر المصدر أي: اقتد الاقتداء. ومثله:
هذا سُرَاقَةُ للقرآن يدرُسُهُ   والمرء عند الرُّشا، إنّ يَلْقَهَا ذِيبُ
(فالهاء) ضمير (الدرس) لا مفعول؛ لأن (يدرس) قد تعدى إلى (القرآن). وقيل: من سكن الهاء جعلها هاء الضمير، وأجرى الوصل مجرى الوقف - أفاده أبو البقاء -.

وأما قول الواحديّ: الذين أثبتوا الهاء راموا موافقة المصحف، فإن الهاء ثابتة في الخط، فكرهوا مخالفة الخط في حالتي الوقف والوصل، فأثبتوا - فقد قال الخفاجيّ: إنه مما لا ينبغي ذكره؛ لأنه يقتضي أن القراءة بغير نقل تقليدا للخط، فمن قاله فقد وهم.

السابقالتالي
2 3