{ وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } جواب ثان. أي: ولو جعلنا النذير الذي اقترحوه ملكاً لمثلناه رجلاً، لما مرّ من عدم استطاعة الآحاد، لمعاينة الملك على صورته، من النور. وإنما رآه كذلك الأفراد من الأنبياء بقوتهم القدسية: { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } جواب محذوف. أي: ولو جعلناه رجلاً لشبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم حينئذ، بأن يقولوا له: إنما أنت بشر، ولست بملك. ولو استدل على ملكيته بالقرآن المعجز، الناطق بها، أو بمعجزات أخر غير ملجئة إلى التصديق - لكذبوه، كما كذبوا النبيّ عليه الصلاة والسلام. ولو أظهر لهم صورته الأصلية لزم ما تقدم من قضاء الأمر. تنبيهات الأول: في إيثار (رَجلاً) على (بَشَراً) إيذان بأن الجعل بطريق التمثيل، لا بطريق قلب الحقيقة، وتعيين لما يقع به التمثيل. الثاني: في الآية بيان لرحمته تعالى بخلقه، وهو أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسُلاً منهم، ليدعو بعضهم بعضاً، وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال. كما قال تعالى:{ لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ... } [آل عمران: 164] الآية. وقال تعالى:{ قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } [الإسراء: 95]. الثالث: التعبير عن تمثيله تعالى (رُجُلاً) باللبس إما لكونه في صورة اللبس، أو لكونه سبباً للبسهم، أو لوقوعه في صحبته بطريق المشاكلة. وفيه تأكيد لاستحالة جعل النذير ملكاً، كأنه قيل: لو فعلناه لفعلنا ما لا يليق بشأننا من لبس الأمر عليهم - أفاده أبو السعود -. الرابع: جوز بعضهم وجهاً ثانياً في قوله تعالى: { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً } وهو أن يكون جواب اقتراح ثان، على أن الضمير عائد للرسول، لا لمقترحهم السابق. قال: لأنهم تارة يقولون:{ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } [الأنعام: 8]، وتارة يقولون:{ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } [فصلت: 14]. والمعنى: ولو جعلنا الرسول ملكاً لمثلناه رجلاً. والظاهر هو الوجه الأول.