الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ }

{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } أي: بشرك، كما يفعله الفريق المشركون، حيث يزعمون أنهم يؤمنون بالله عز وجل، وأن عبادتهم للأصنام من تتمات إيمانهم وأحكامه، لكونها لأجل التقريب والشفاعة، كما قالوا:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3] وهذا معنى اللبس - أفاده أبو السعود - وسيأتي زيادة لذلك.

{ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ } يوم القيامة { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } أي: إلى الحق، ومن عداهم في ضلال.

روى البخاريّ ومسلم وغيرهما عن عبد الله قال: لما نزلت: { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال أصحابه: وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت:إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13] - هذا لفظ رواية البخاريّ -.

ولفظ رواية الإمام أحمد عن عبد الله قال: " لما نزلت هذه الآية: { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، فأينا لا يظلم نفسه؟ قال: " إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: { يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]؟ إنما هو الشرك " ".

أقول: هذه الرواية توضح رواية البخاريّ السابقة - أعني: قول ابن مسعود: فنزلتإِنَّ ٱلشِّرْكَ... } [لقمان: 13] إلخ - من جهة أن النزول أريد به تفسير الآية، لا سبب نزولها، وهو اصطلاح للصحابة والتابعين دقيق، ينبغي التنبه له. وقد أشرنا له في المقدمة. فجددْ به عهداً.

ولابن أبي حاتم عن عبد الله مرفوعاً { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال: بشرك. قال: وروي عن أبي بكر وعمر وأبيّ بن كعب وسلمان وحذيفة وابن عباس وابن عمر وعمرو ابن شرحبيل وأبي عبد الرحمن السلميّ، ومجاهد وعكرمة والنخعيّ والضحاك وقتادة والسديّ، وغير واحد نحو ذلك نقله ابن كثير. وبالجملة، فلا يعلم مخالف من الصحابة والتابعين في تفسير (الظلم) هنا بالشرك، وقوفاً مع الحديث الصحيح في ذلك، المبين للنظائر القرآنية الموضَّح بعضها لما أبهم في بعض. وتعرف تلك القاعدة من مثل هذا الحديث يكشف غمة أوهام كثيرة. ولو قيل: لا يلزم من قوله:إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13] أن غير الشرك لا يكون ظلماً. يجلب: بأن التنوين في (بظلم) للتعظيم، فكأنه قيل: لم يلبسوا إيمانهم ظلم عظيم. ولما تبين أن الشرك ظلم عظيم علم أن المراد: لم يلبسوا إيمانهم بشرك، أو أن المتبادر من المطلق أكمل أفراده - كذا في العناية -.

قال الرازيّ: والدليل على أن هذا هو المراد، أن هذه القصة من أولها إلى آخرها إنما وردت في نفي الشركاء والأضداد والأنداد، وليس فيها ذكر الطاعات والعبادات، فوجب حمل الظلم ههنا على ذلك.

تنبيه

حيث علم أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فسر الآية بما تقدم، فليُعَضَّ عليه بالنواجذ.

السابقالتالي
2 3