الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ }

{ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ } أي: ليكون معه فيكلمنا أنه نبيّ، كقوله:لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } [الفرقان: 7].

{ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ } جواب لمقترحهم، وبيان لمانعه، وهو البقيا عليهم، كيلا يكونوا كالباحث عن حتفه بظلفه. والمعنى: أن الملك لو أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته، وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن، ثم لم يؤمنوا، لحاق بهم العذاب، وفرغ الأمر. فإن سنة الله قد جرت في الكفار أنهم متى اقترحوا آية، ثم لم يؤمنوا، استؤصلوا بالعذاب، كما قال تعالى:مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } [الحجر: 8]. وقوله تعالى:يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } [الفرقان: 22].

{ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } أي: لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين، فضلا عن أن ينذروا به. ومعنى (ثم) بعد ما بين الأمرين، قضاء الأمر، وعدم الإنظار. جعل عدم الإنظار. أشد من قضاء الأمر؛ لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة.

تنبيه

ذكر الزمخشري وجهاً ثانياً في تعجيل عذابهم، عند نزول الملائكة، وهو أنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف، فيجب إهلاكهم، وفي (الكشف) الاختيار قاعدة التكليف، وهذه آية ملجئة. قال تعالى:فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85]. فوجب إهلاكهم، لئلا يبقى وجودهم عارياً عن الحكمة، إذ ما خلقوا إلا للابتلاء بالتكليف، وهو لا يبقى مع الإلجاء. هذا تقريره على مذهبهم، وهو غير صاف عن الإشكال. انتهى. وفيه إشارة إلى أنه ليس على قواعد السنة، وكأنّ وجه إشكاله أنه وقع في القرآن، والواقع ما ينافيه، كما في قوله تعالى:أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ... } [البقرة: 259] الآية - كذا في (العناية) -وذكر أيضاً وجهاً ثالثاً. وهو أنهم إذا شاهدوا ملَكاً في صورته، زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون.

قال في (الانتصاف): ويقويّ هذا الوجه قوله:وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } [الأنعام: 9]، قال ابن عباس: ليتمكنوا من رؤيته، ولا يهلكوا من مشاهدة صورته. انتهى.

وهذا الوجه آثره أبو السعود في التقديم حيث قال: أي لو أنزلنا ملكاً على هيئته حسبما اقترحوه، والحال أنه من هول المنظر، بحيث لا تطيق بمشاهدته قوى الآحاد البشرية. ألا يرى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يشاهدون الملائكة ويفاوضونهم على الصورة البشرية؟ كضيف إبراهيم ولوط، وخصم داود عليهم السلام، وغير ذلك. وحيث كان شأنهم كذلك، وهم مؤيدون بالقوى القدسية، فما ظنك بمن عداهم من العوام؟ فلو شاهدوه كذلك لقضي أمر هلاكهم بالكلية، واستحال جعله نذيراً، وهو - مع كونه خلاف مطلوبهم - مستلزم لإخلاء العالم عما عليه يدور نظام الدنيا والآخرة، من إرسال الرسل، وتأسيس الشرائع. وقد قال سبحانه:

السابقالتالي
2