{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } قال المهايميّ: لما رأى - يعني إبراهيم عليه الصلاة والسلام - الملكوت، وأيقن أن شيئاً منها لا يصلح للإلهية، أراد الرد على قومه في اعتقاد إلهيتها لخستها، باعتبار افتقارها في أفعالها إلى أجسام لها دناءة الأفول، وإن كانت علوية، وكذا في اعتقاد إلهية تلك الأجسام. كما رد عليهم في اعتقاد إلهية الأصنام، فَلِتَظْهَرَ ظهور الكواكب التي كانوا يعبدونها. انتهى. وبالجملة، فالآية بيان لكيفية استدلاله عليه الصلاة والسلام، ووصوله إلى رتبة الإيقان. ومعنى { جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ }: ستره بظلامه. و (الكوكب) قيل: الزهرة، وقيل المشتري. أقول: (الكوكب) لغةً: النجم. قال الزبيديّ: في (شرح القاموس): وكونه علماً بالغلبة على الزهرة غير معتدّ به، وإنما هي الكوكبه بالهاء. انتهى. قال الزمخشريّ: كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئاً منها لا يصح أن يكون إلهاً، لقيام دليل الحدوث فيها، وأن وراءها محدِثاً أحدثها، وصانعاً صنعها، ومدبراً دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها. وقول إبراهيم لقومه: { هَـٰذَا رَبِّي } إرخاء للعنان معهم بإظهار موافقته لهم أولاً، ثم إبطال قولهم بالاستدلال، لأنه أقرب لرجوع الخصم. قال الزمخشريّ: قول إبراهيم ذلك، هو قول من ينصف خصمه، مع علمه بأنه مبطل. يحكي قولَهُ كما هو غير متعصب لمذهبه، لأن ذلك أدعى إلى الحق، وأنجى من الشغبَ، ثم يكرّ عليه بعد حكايته، فيبطله بالحجة. { فَلَمَّآ أَفَلَ } أي: غاب، { قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } أي: لا أحب عبادة من كان كذلك، فإن الأفول دناءة تنافي الإلهية، بل تمنع من الميل إلى صاحبها، فضلاً عن اتخاذه إلهاً أو معبوداً، فضلاً عما يفتقر إليه.