الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أي: بالحكمة، كقوله:وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } [ص: 27].

وقوله تعالى: { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } بيان لقدرته تعالى على حشرهم بكون مراده لا يتخلف عن أمره وأن قوله هو النافذ والواقع، والمراد بـ (القول) كلمة (كن) تحقيقا أو تمثيلاً. فـ { قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } مبتدأ وخبر. و { يَوْمَ } ظرف لمضمون هذه الجملة. كقوله تعالى:إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس: 82] وكأن قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } إلخ عقب قوله:وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [الأنعام: 72] سيق للاحتجاج على قدرته تعالى على البعث، رداً على منكري ذلك من المشركين، الذين السياق فيهم. وما أشبه الآية بقوله تعالى:أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ * إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس: 81-82].

ولا يخفى أن باستحضار النظائر القرآنية، تنجلي الحقائق. وقد توسع المفسرون هنا في إعراب هذه الجملة، بسرد وجوهٍ ضاع الظاهر بينها - وقد علمته، فاحرص عليه -.

{ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } أي: فلا بد أن يفعل بالمطيع والعاصي فعل الملوك، لمن يطيعهم أو يعصيهم. فـ (يوم) ظرف لقوله: { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ } - قاله أبو السعود - وتقييد اختصاص الملك به تعالى، بذلك اليوم، مع عموم الاختصاص لجميع الأوقات، لغاية ظهور ذلك، بانقطاع العلائق المجازية الكائنة في الدنيا، المصححة للمالكية المجازية في الجملة، كقوله تعالى:لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16]. وقوله:ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } [الفرقان: 26].

وقد زعم بعضهم أن المراد بـ (الصور) هنا جمع صورة، أي: يوم ينفخ فيها، فتحيي. قال ابن كثير: والصحيح أن المراد بـ (الصور) القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، وهكذا قال ابن جرير: الصواب عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن إسرافيل قد التقم الصور، وحتى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ ".

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: " إن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور؟ فقال: " قرن ينفخ فيه " ورواه أبو داود والترمذيّ والحاكم، عنه أيضاً.

{ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ } أي: هو عالمهما، { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } ذو الحكمة في سائر أفعاله. والعلم بالأمور الجليّة والخفية.

ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكر لمن اتخذ دينه هزواً ولعباً إنكار إبراهيم عليه الصلاة والسلام - الذي يزعمون أنهم على دينه، ويفتخرون به - على أبيه في شركه بقوله سبحانه:

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ... }.