الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ }

{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ } أي: بالطعن والاستهزاء، { فِيۤ ءَايَاتِنَا } أي: المنسوبة إلى مقام عظمتنا، التي حقها أن تعظم بما يناسب عظمتنا. والموصول كناية عن مشركي مكة، فقد كان ديدنهم ذلك، { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي: فلا تجالسهم، وقم عنهم { حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } أي: حتى يأخذوا في كلام آخر، غير ما كانوا فيه من الخوض في آياتنا. { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ } بأن يشغلك فتنسى النهي عن مجالستهم، { فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } أي: إن ينسينّك الشيطان، فجلست معهم، فلا تؤاخذ به، لكن إذا ذكرت النهي، فلا تقعد معهم، لأنهم ظالمون بالطعن في الكلام المعجز عناداً.

وفي الحديث: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه " رواه الطبرانيّ عن ثوبان مرفوعاً - وإسناده صحيح - وهذه الآية هي المشار إليها في قوله تعالى:وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ... } [النساء: 140] الآية؛ لأن في حضور المنكَر مع إمكان التباعد عنه، مشاركة لصاحبه.

فوائد

قال السيوطيّ في (الإكليل): في هذه الآية وجوب اجتناب مجالس الملحدين، وأهل اللغو، ويستدل بها على أن الناسي غير مكلف، وأنه إذا ذكر عاد إليه التكليف، فيعفى عما ارتكبه في حال نسيانه. ويندرج تحت ذلك مسائل كثيرة في العبادات والتعليقات. انتهى.

وقال الرازي: ومن الحشوية من استدل بهذه الآية في النهي عن الاستدلال والمناظرة في ذات الله تعالى وصفاته. قال: لأن ذلك خوض في آيات الله، والخوض في آيات الله حرام بدليل هذه الآية.

والجواب عنه: أن المراد من الخوض في الآية، الشروع في الطعن والاستهزاء، فسقط هذا الاستدلال. والله أعلم.

وقال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية أحكام:

الأول: وجوب الإعراض عن مجالس المستهزئين بآيات الله أو بحججه أو برسله، وأن لا يقعد معهم، لأن في القعود إظهار عدم الكراهة وذلك لأن التكليف عامّ لنا، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يجب الإعراض، وترك الجلوس معهم، إذا لم يطمع في قبولهم، فإذا انقطع طمعه إذاً، فلا فائدة في دعائهم. ويجب القيام عن مجالسهم إذا عرف أن قيامه يكون سبباً في ترك الخوض، وأنهم إنما يفعلونه مغايظة للواقف، إذ كان وقوفه يوهم عدم الكراهة.

الحكم الثاني: جواز مجالسة الكفار، مع عدم الخوض، لأنه إنما أمرنا بالإعراض مع الخوض. وأيضاً فقد قال تعالى: { حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ }. قال الحاكم: والآية تدل أيضاً على المنع من مجالسة الظلمة والفسقة، إذا أظهروا المنكرات. وتدل على إباحة الدخول عليهم لغرض، كما يباح للتذكير.

السابقالتالي
2